على أرض شرم الشيخ حققت مصر انتصاراً جديداً، في العصر الحديث، بنجاحها في استضافة وتنظيم أكبر المؤتمرات العالمية، وهو قمة المناخ COP27، ممثلة لقارة أفريقيا، هذا النجاح العالمي سيعطى مصر دفعة كبيرة في المجتمع الدولي، خاصة في الفترة القادمة، عندما تبدأ الأمم المتحدة، في العام القادم، في تطوير أنظمتها التي لم تتطور منذ إنشائها في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، خاصة في تشكيل مجلس الأمن، المكون من خمس أعضاء دائمين، لهم حق الفيتو، وهم؛ أمريكا، وروسيا، والصين، وإنجلترا، وفرنسا، ثم أعضاء غير دائمين، يتم تغييرهم سنوياً، إذ من المنتظر، في العام القادم، إضافة أربع دول ممثلين لقارة أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وآسيا، وجنوب غرب آسيا، في مجلس الأمن.
وفي ظني أن نجاح مصر في تنظيم وإدارة قمة المناخ، سيضعها في مصاف الدول الأولى لتمثيل أفريقيا في العضوية الدائمة لمجلس الأمن، أما المكسب الثاني فهو السمعة الطيبة التي حققتها مصر، خلال أسبوعين، في كافة وسائل الإعلام العالمية، والتي أثبتت أن مصر بلد آمنة ومستقرة، تدعو السياح من كل أنحاء العالم لزيارتها، وتفتح أبوابها للمستثمرين لضخ أموالهم في هذه البلد المستقرة، كذلك جاء هذا المؤتمر ليؤكد نجاح مصر في القضاء على الإرهاب وأن البلد تعيش حالياً فترة آمنة مستقرة بفضل شعبها وجيشها وشرطتها.
أما عن الاستفادة المادية، فيجب أن نوضح أن الأمم المتحدة تقدم منحة للدولة المُضيفة مقدارها مليار ومائة مليون دولار، يتم تخصيصها لتطوير البنية الأساسية للمدينة التي ستشهد فعاليات القمة، وهو ما يعد مكسباً هاماً لمدينة شرم الشيخ، سينعكس على مستوى الحياة بها، وبالتالي على قطاع السياحة. أما النجاح الأهم، فتمثل في فوز الملف المصري، منصة مشروع “نوّفي”، الذي قدمته وزارة التعاون الدولي، بالشراكة مع البنك الأوروبي، بأفضل مشروع من بين 48 دولة تقدمت للمنافسة على هذه المبادرات، حيث اشتمل هذا الملف على دراسات جدوى في ثلاث قطاعات هي؛ المياه، الغذاء، الطاقة، في إطار تنفيذ تسع مشروعات. ويحسب للوزيرة المتميزة، الدكتورة رانيا المشاط، نجاحها في إعداد دراسات الجدوى متكاملة، من خلال مكاتب عالمية، ضمنت موافقة الأمم المتحدة على تمويل هذا المشروع، بقيمة 10 مليار و300 مليون دولار، من خلال ثلاث أساليب، إما منحة مالية مباشرة، أو من خلال تمويل ميسر على سنوات طويلة بفائدة قليلة، أو الأسلوب الثالث من خلال مبادلة ديون مصر للخارج.
وعلى الصعيد السياسي الدولي، استفادت مصر من حضور عدد من زعماء العالم للمشاركة في قمة المناخ، ومنهم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والسيدة نانسي بيلوسي، رئيسة الكونجرس الأمريكي. ولعل وصف الرئيس جو بايدن لمصر بأنها أم الدنيا كان لها بالغ الأثر على نفوس المصريين، وهي الكلمة التي أكد فيها، الرئيس الأمريكي، على قوة ومتانة العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، كما أكد على أن الولايات المتحدة تعتبر مصر صديقاً وحليفاً، في هذه المنطقة، لما تتمتع به من ثقل سياسي، وما تلعبه من دور متزن. والحقيقة أن صدور مثل تلك التصريحات من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يكون لها أصداء إيجابية واسعة في المجتمع الدولي، لتؤكد على عظمة وقوة مصر.
كما أعلن الرئيس الأمريكي عن خطة جديدة، بقيمة 500 مليون دولار، لتمويل خطة مصر للتحول إلى الطاقة النظيفة، بزيادة قدرات إضافية تصل إلى 10 جيجاوات من الطاقة النظيفة، وبالتالي زيادة قدراتها على تصدير طاقة كهربائية إلى الخارج. ولمن يعي ما بين السطور، فإن تلك الخطة التمويلية تستهدف دعم الاقتصاد المصري، بالأساس. كما أثنى جو بايدن على الكلمة الافتتاحية للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي طالب فيها بوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وعن استعداده للتعاون مع كافة الجهات لوقف تلك الحرب، التي انعكست آثارها على العالم بأسره.
وفيما يخص ملف حقوق الإنسان، فقد أبدى جو بايدن ثقته فيما عرضه الرئيس السيسي، بأن مصر أطلقت استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان، وأطلقت مبادرة الحوار الوطني، وأسست لجنة العفو الرئاسي، مؤكداً على اطمئنانه لما ستسفر عنه خطة الرئيس السيسي في هذا الشأن. وهنا يجب أن نُلفت الانتباه إلى التغير في موقف الإدارة الأمريكية، الذي كان يعتمد، في السابق، على الضغط، بفرض عقوبات، مثل تجميد جزء من المعونة العسكرية، وهو ما لم يحدث اليوم، وكان له صدى كبير من المجتمع الدولي. وخلال اللقاء، أكد الرئيس السيسي على تمسك مصر بحقها في الأمن المائي، كما أكد على مواصلة الجهود في التصدي للإرهاب، وهو ما أثنى عليه الرئيس بايدن، مؤكداً أن مصر شريكاً مركزياً لأمريكا في هذا الملف. كذلك أكد الرئيس السيسي على موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية. أما زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة الكونجرس الأمريكي، والشخصية الثالثة في هرم القيادة الأمريكية، فتنبع أهميتها مما تعكسه من دعم أمريكا لمصر، خاصة وأن الكونجرس هو المسئول عن التصديق على كافة مطالب مصر من أمريكا.
وفي النهاية نؤكد أن نجاح مصر في تنظيم ذلك المؤتمر، بتلك الحرفية العالية، التي يتميز بها رجالها في كافة المجالات، ما هو إلا بداية لنجاحات سنشهدها خلال العام القادم، الذي تترأس فيه مصر القمة، ولحين تسليم الرئاسة لدولة الأمارات الشقيقة في COP28.
Email: [email protected]