أخبارشئون مصريةمنوعات

“اللواء الدكتور سمير فرج ” يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن: 9 مفاهيم عسكرية غيرّتها حرب أكتوبر

في يوم 8 أكتوبر، 2022 | بتوقيت 9:00 مساءً

مازالت حرب أكتوبر 73 تعتبر أحد المراجع العلمية العسكرية لكافة المعاهد العسكرية ومراكز الدراسات فى العالم كله، خاصة أنها حرب تمت بين قوتين عسكريتين لهما ثقلهما العسكرى هى مصر وإسرائيل وأن هذه الحرب استخدمت فيها كافة الأسلحة الحديثة المتطورة.

ولقد كانت العقيدة القتالية العسكرية الغربية، هى أكبر المستفيدين من دروس تلك الحرب … فقد كان الجانب الإسرائيلى يتبنى فكر العقيدة الغربية، بينما تتبنى القوات المسلحة المصرية فكراً جديداً، فى مفاهيم القتال، عبارة عن مزيج بين الفكر الشرقي، التابع للعسكرية السوفيتية، مضافاً إليه خبرة قتال المصريين، فى هذه الحرب الحديثة.

لذلك كان تأثير حرب أكتوبر على مفاهيم العقيدة العسكرية الغربية كبيراً فى اتجاهات عديدة حيث إنه:

بالرغم من تصنيف نوعية أعمال القتال بين الجيش المصرى وجيش الدفاع الإسرائيلى، بأنها حرب تقليدية، إلا أن كليهما كان مزوداً بأحدث الأسلحة والمعدات، إضافة إلى منظومات جديدة، لم تكن قد استخدمت من قبل فى ميادين القتال الحقيقية.

إذ استُخدم فى هذه الحرب، ولأول مرة، الأسلحة الإلكترونية( Electronic Warfare EW)، والأسلحة الإلكترونية المضادة (Counter Electronic Warfare CEW)، من الجانبين، على أعلى مستوى من التقنيات العلمية.

كذلك الجيش المصرى كان يقاتل، متبعاً العقيدة الشرقية، متسلحاً بمعدات، أغلبها سوفيتية، بينما يطبق جيش الدفاع الإسرائيلى مبادئ العقيدة الغربية، وبالأسلحة والمعدات الغربية … فكان واضحاً، لكل المحللين، أنها معركة بين فكر وتسليح العقيدة الشرقية، ضد فكر وتسليح العقيدة الغربية.

كما أن ميادين القتال لم تشهد حرباً تقليدية، منذ الحرب العالمية الثانية فى عام 1945، إذ تغيرت، بعدها، مفاهيم القتال ،وتغيرت الأسلحة والمعدات، وبدأت التكنولوجيا الجديدة تدخل فى كل سلاح ومعدة.

حتى أن الحروب التى قامت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، سواء فى كوريا أو فيتنام أو غيرهما، كانت كلها من طرف واحد قوى، يستخدم معداته وأسلحته، دون وجود مقاومة منظمة من الجانب الآخر. فلم يظهر فكر جديد فى أساليب القتال، أو فى استخدام معدات القتال.

وكان الجميع يرى أن الجيش الإسرائيلى دخل هذه الحرب، معتمداً على انتصاراته فى عمليات 1967 ، سواء على الجبهة المصرية أو الأردنية أو السورية. فقد حقق سمعة لا بأس بها، قياساً بكافة المدارس العسكرية، التى اعتبرته مثالاً، يمكن الاحتذاء به، وتطبيقه، وتنفيذه فى حالات أخرى.

 ولعل الضربة الجوية الإسرائيلية، ضد مصر، عام 1967 ، كانت، من وجهة النظر العسكرية، أكبر دليل على ذلك.

إلا أن ما أظهره الجيش المصرى، خلال حرب 1973 ، من أداء عسكرى متميز، أجبر، جميع المراكز البحثية، ومعاهد الدراسات الاستراتيجية، والمحللين العسكريين، أن يدرسوا، وأن يحللوا كيفية نجاح هذا الجيش، فى إلحاق هذه الهزيمة بجيش الدفاع الإسرائيلى، ويقطع اليد الطولى (الطيران الإسرائيلى)، التى، طالما، تغنت بها إسرائيل بعد حرب1967.

ولقد كان عنصر المفاجأة، الذى حققته القوات المسلحة المصرية، على المستويين الاستراتيجى والتكتيكى ،أحد عناصر نجاح هذه المعركة ، أما على مستوى الأداء.. فقد دفع ذلك «حاييم هيرتزوج» الرئيس الأسبق لإسرائيل، ومدير استخباراتها الأسبق، أن يكتب فى مذكراته عن حرب أكتوبر، والتى نشرت فى كتاب، «أن على جيش الدفاع الإسرائيلى، مستقبلاً، أن يكون قادراً على التشبه بنبات البانتا، الذى ينحنى أمام الضربات الأولى، المخططة، والمنظمة للقوات المسلحة المصرية … ثم ينهض بعد ذلك ليكيل له الضربات … فالضربات الأولى، المخططة، للجيش المصرى، دائماً ما تكون قوية … وسريعة … ومؤثرة.»

وكان ما حققته القوات المسلحة المصرية، من إنجازات، خلال حرب الاستنزاف … ولعلنا نذكر عملية إغراق المدمرة «إيلات»، تلك العملية التى أدت إلى تغيير نمط التسليح وأسلوب القتال للقوات البحرية فى العالم بأسره. كذلك بناء حائط الصواريخ المصرى، غرب القناة، فى فترة الاستنزاف … ودوره الرائع، أثناء الحرب، فى تحييد القوات الجوية الإسرائيلية، ومنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات المصرية للقناة.

ولعل ما يدعونى، ويدعو العسكرية المصرية، للفخر … هو أن جميع المعاهد العسكرية، حول العالم، وخاصة ذات العقيدة الغربية منها، اعتبرت الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 73 ، جزءاً لا يتجزأ من مناهجها الدراسية فى دورات قادة السرايا، والكتائب، والألوية، وكلية أركان حرب، وكلية الدفاع الوطنى، فقد كان تفوق القوات المسلحة المصرية، سبباً فى تغيير العديد من مفاهيم القتال فى العقيدة القتالية الغربية.

وجاءت بشائر تأثيرات التغيير أثناء حرب الاستنزاف المصرية، وذلك بعد إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات» … حيث بدأت القوات البحرية، فى كافة الدول، فى التوقف، تدريجياً، عن بناء المدمرات الكبيرة … وحاملات الطائرات … والطرادات، ويبدأ الاعتماد على اللنشات السريعة … الصغيرة … ذات السلاح المتطور، لتأمين السواحل، والمياه الإقليمية.

وشرعت الدول فى تطوير التدريع لهذه اللنشات، وتسليحها، مع التركيز على وسائل الحرب الإلكترونية بها … والأجهزة الإلكترونية المضادة … وأجهزة الرادار والتشويش … الخ. واليوم، أصبحت اللنشات الصاروخية، هى القوة الضاربة للقوات البحرية، فى معظم الدول الغربية، وخاصة فى أعمال تأمين القطع البحرية الكبيرة. وهكذا، ومع انتهاء حرب أكتوبر 1973 ، قامت الدول الغربية بإعادة تنظيم وتسليح قواتها البحرية، انطلاقاً من الفكر الجديد، المعتمد على الخبرة والتجربة المصرية. ومع بداية عصر إلغاء حاملات الطائرات الكبيرة، ظهر بناء حاملات المروحيات، ذات الحجم الصغير … والقوة النيرانية الكبيرة.

أما بخصوص التغيير فى المفاهيم القتالية فى العقيدة الغربية، فكان فى مجال القوات الجوية، حيث إنه طبقاً لمفاهيم مبادئ القتال، فإن عمل القوات الجوية كان يعتمد من قبل على عنصرين هما «السيادة الجوية» Air Supremacy، بمعنى أن القوات الجوية تسيطر على ميدان القتال الجوى بالكامل، ولا تسمح للقوات الجوية المعادية بأى نشاط.

والعنصر الثانى كان «السيطرة الجوية» Air Superiority، وهذه السيطرة تكون على ميدان القتال بالكامل، أو على جزء منه، أو لوقت محدد، وفيها يمكن أن تنشط القوات الجوية المعادية بتنفيذ بعض الأعمال. وخلال حرب أكتوبر، أضافت القوات المسلحة المصرية عنصراً ثالثاً، فى مفاهيم أسلوب استخدام القوات الجوية، وهو «تحييد القوات الجوية المعادية» Neutralizing Enemy Air Force، وهذا المفهوم الجديد، يعنى أنه بالرغم من أن القوات المعادية، لديها قوات جوية … قوية … ذات كفاءة عالية … وبأعداد كبيرة، تحقق لها السيطرة الجوية … إلا أنها لا تستطيع المشاركة فى ميدان القتال .

فقد ظلت القوات الجوية الإسرائيلية عاجزة عن تقديم أى عون جوى لقواتها الأرضية، نتيجة لنجاح المصريين فى بناء حائط للصواريخ على الضفة الغربية للقناة، يمنع القوات الجوية الإسرائيلية من توفير غطاء جوى لقواتهم البرية، فى الهجمات المضادة ضد القوات المصرية، التى اقتحمت قناة السويس.

ولعل أبلغ دليل على ذلك، كان التحذير الذى أطلقه قائد القوات الجوية الإسرائيلية، أثناء الحرب، لقواته، بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومترا، وجاء هذا التحذير فى رسالة مفتوحة … غير مشفرة … لضمان سرعة وصولها لجميع قواته! وظلت محاولات القوات البرية الإسرائيلية بتسديد ضرباتها المضادة للقوات المصرية، التى عبرت القناة، دون أى مساندة جوية. وهكذا نجح حائط الصواريخ المصرى، فى بتر «اليد الطولى» لجيش الدفاع الإسرائيلى.

ولقد كانت فكرة إمكانية قتال عناصر المشاة المترجلة، دون قوة الصدم (الدبابات). فقد كان المفهوم قبل حرب أكتوبر 73، أن قوات المشاة لا يمكنها التمسك بالأرض، منفردة، دون قوات مدرعة لأكثر من 3-4 ساعات، وهو ما كان ينطبق، غالباً، على قوات المظلات، أو على القوات المبرة جواَ، والتى تسقط بعيداً عن القوة الرئيسية.

ولذلك كان من الضرورى أن تلحق بها القوات الرئيسية، وخاصة المدرعات، فى مدة لا تزيد عن 3-4 ساعات. ولكن جاءت حرب أكتوبر، وبتخطيط رائع وضعه المصريون، فى التوجيه رقم 41 ، الذى تم إعداده بمعرفة لجنة رأسها الفريق/ سعد الشاذلى-رئيس الأركان، الذى أتاح لقوات المشاة العبور، بدون دعم، لمدة 12  ساعة، هى مدة إتمام إنشاء الكبارى، وعبور الدبابات.

وهو ما تم التخطيط له باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات، وبحسابات دقيقة للموجات الأولى من المشاة المترجلة، فتمكنت من صد، وتدمير الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية شرق القناة فى «خط بارليف». وهذا أمر، لم يكن لأى مخطط عسكرى أن يقبل به، قبل حرب أكتوبر 1973.

فقد تم التخطيط لدعم كل كتيبة مشاة مترجلة بعدد من قواذف «أر.بي.جي»، ومعها الذخيرة الكافية … حملها الجنود المشاة، ومعهم، لأول مرة، صواريخ المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، المالوتيكا الروسية. وبالرغم من أنها كانت من الجيل الأول، الذى كان يوجه بالسلك، وتتعرض دقة الإصابة لقدرة الجندى على التوجيه تحت نيران العدو، إلا أن كتيبة المشاة المترجلة، فى رأس الكوبرى، نجحت فى صد الهجمات المضادة للمدرعات الإسرائيلية.

أما المفاجأة الأخيرة، فى التوجيه 41 ، فتمثلت فى أن كل جندى كان يحمل على صدره وظهره لغما مضادا للدبابات، فتكونت، لأول مرة فى تاريخ الحروب الحديثة، ما يعرف باسم «الستارة المصرية المضادة للدبابات».

ويمكن الرجوع لقانون القتال البريطانى، فى بند القتال فى الأراضى الصحراوية، والأراضى المفتوحة، لتجد هذا البند ينص على استخدام «الستارة المصرية المضادة للدبابات»، مشيراً إلى أنها نتاج فكر المصريين فى حرب أكتوبر.

ولقد ظهرت فكرة «الحصار البحرى عن بُعد» Distant Naval Blockade، حيث أشارت المراجع العسكرية الغربية، إلى أن المصريين نجحوا فى غلق مضيق باب المندب ضد الملاحة الإسرائيلية … فيما يعد أكبر مفاجأة من مفاجآت حرب أكتوبر .

حيث استخدم المصريون قواتهم البحرية فى باب المندب، بعيداً عن القوات الجوية لجيش الدفاع الإسرائيلى. فقد كانت كل تقديرات جيش الدفاع الإسرائيلى تعتمد على أن أى تفكير مصرى لإغلاق الملاحة الإسرائيلية فى البحر الأحمر، سيتم من خلال مضايق تيران وصنافير، واثقة بأنها ستكون، حينئذ، فى مدى القوات الجوية الإسرائيلية.

وبذلك أظهر المصريون براعتهم فى إغلاق الملاحة، بإعلان تواجد قواتهم البحرية فى مضيق باب المندب، ليقف الإسرائيليون عاجزين، طيلة أيام القتال، عن أى رد فعل ضد هذا العمل، وظل ميناء إيلات مغلقاً تماماً. وعليه، فقد كانت أهم نقاط المباحثات، بعد توقف القتال، فى «مباحثات الكيلو 101 »، أن طلب الإسرائيليون فتح مضيق باب المندب. وهكذا، ولأول مرة، بعد حرب أكتوبر، يظهر فى قوانين القتال البحرية، فى العقيدة الغربية، ذلك الفكر الجديد … بعنوان «الحصار البحرى عن بُعد» Distant Naval Blockade .

أما المفاجأة فى حرب أكتوبر فلقد كانت عنصراً هاماً حيث كانت المفاجأة التى تعد واحداً من أهم مبادئ القتال، فى جميع العقائد القتالية الغربية. فقبل حرب أكتوبر 1973 ، كانت كل المراجع العسكرية تشكك فى إمكانية تحقيق المفاجأة بكامل أبعادها … المفاجأة الاستراتيجية، أو المفاجأة التعبوية، أو حتى المفاجأة التكتيكية، فى ظل التقنيات الحديثة … ووسائل الاستطلاع والكشف المبكر … والأقمار الصناعية.

ولكن جاءت حرب أكتوبر، لتحطم كل هذه الأفكار والمفاهيم؛ فحشد القوات المصرية كان موجوداً على القناة، ونجح المصريون فى إدخال قوات، وإخراج قوات من جبهة القتال. كما كانت أكبر المفاجآت، التى حققها المصريون، هى الهجوم على خط المواجهة بالكامل، بخمس فرق مشاة، فوجد الإسرائيليون، يوم السادس من أكتوبر فى تمام الثانية ظهراَ، وجدوا المصريين يقتحمون القناة، الأمر الذى جعل من الصعب عليهم تحديد اتجاه الهجوم الرئيسى.

لذلك عند شرح العقيدة القتالية الغربية، فى كتب علم فنون القتال «التكتيك» عن فترة المفاجأة، تجدها تؤكد على إمكانية تحقيق المفاجآت، مرة أخرى، مع التطور الحديث فى التكنولوجيا للأسلحة، والمعدات الحديثة. وهو ما أكده نجاح المصريين فى حرب أكتوبر 1973 ، من مفاجأة الإسرائيليين بالحرب على كل جبهات القتال، وبعد اختيار منتصف النهار لبدء الهجوم، خاصة أن كل المراجع وقوانين القتال، كانت تؤكد على أن أنسب توقيتات الهجوم يكون مع أول ضوء، أو آخر ضوء، وهذا ما حقق به المصريون المفاجأة مرة أخرى.

فضلاً عن إجراءات المصريين الأخرى، مثل فتح باب العمرة للضباط قبل الحرب، وتسريح دفعات من الاحتياط، وغيرها، والتى كانت، كلها، من أعمال الخداع التى حققت المفاجأة.

وتم إضافة مبدأ جديد فى مبادئ القتال؛ حيث كانت مبادئ القتال، فى جميع العقائد القتالية، هى … المفاجأة … الحشد … السرية … الخداع … المناورة … الخ، فكان البند الجديد الذى تمت إضافته، بعد حرب 73، وهو استخدام «أساليب غير تقليدية فى الحرب الحديثة» Non-Conventional Methods in Modern Warfare.

وعندما عرضت قوانين القتال الغربية هذا البند، فإنها بدأت منذ حصار طرواده، وصولاً إلى ما حققه المصريون فى حرب 1973، من فتح الساتر الترابى باستخدام خراطيم المياه، وهو ما لم يتوقعه الإسرائيليون، إضافة إلى إغلاق أنابيب النابالم فى خط بارليف.

وجاءت حرب أكتوبر لكى تؤكد على على بعض مفاهيم القتال فى العقيدة الغربية، والتأكيد على صلاحيتها للتطبيق. فقد تم التركيز على مفهوم By-Pass Policy، وهى أحد أساليب الاختراق فى العقيدة القتالية الغربية، والتى تتلخص فى أنه خلال العمليات البرية، وفى حالة التوقف أمام أى دفعات لمدة طويلة، فإن القوة البرية لا تتوقف … بل تستمر … تاركة خلفها قوات لتثبيتها حتى تسقط، وتستمر باقى القوات فى الهجوم.

وهو ما فعله المصريون فى حرب 1973، عند اقتحام خط بارليف … فلقد اندفعت الخمس فرق المشاة المصرية، لعبور القناة، متقدمة إلى عمق سيناء، تاركة وراءها نقاط خط بارليف، تتساقط تباعاً. ولا شك أن وصول القوات المصرية المهاجمة خلف خط بارليف، قد أحبط القوات المدافعة الإسرائيلية، فى هذه النقاط؛ فمنها من تم اقتحامه بالقوات المصرية بعد ساعات، ومنها من استسلم … وكانت أهمها نقطة لسان بور توفيق، التى استسلمت تماماً … بكامل قواتها … وأسلحتها … وعتادها.

وجاءت إضافة جديدة، فكان إضافة جديدة لمبادئ القتال فى العقيدة الغربية، وهو «النوعية»، حيث كان الاتجاه فى مقارنة القوات قبل حرب أكتوبر، يعتمد على أعداد الدبابات، والمدفعية، والطائرات، والغواصات، والمدمرات. ولعل أشهر هذه الدراسات ما يقدمه معهد الدراسات الاستراتيجية فى لندن (IISS)، فى تقريره السنوى الشهير «التوازن العسكرى» The Military Balance.

حيث كانت تتم المقارنة بين القوات العسكرية، لكل دولة، وفقاً لعدد المعدات والأسلحة التى تمتلكها … إلا أن حرب أكتوبر 73، قلبت هذه الموازين تماماً. فقبل حرب أكتوبر، ظهر هذا التقرير ليوضح التفوق الكامل لإسرائيل ضد مصر وسوريا ودول الطوق … وكانت هذه الحسابات لصالح إسرائيل … وهو ما أقنع العديد، بأن مصر لن تغامر، قطعاً، بالحرب والهجوم على إسرائيل.

ولقد كان مفاجأة حرب أكتوبر 73 هو الجندى المقاتل المصرى الذى قال عنه شارون، فى مناظرة عن حرب أكتوبر، أجراها معى شخصياً، وأذاعها التليفزيون البريطانى … فعند سؤال الجنرال شارون عن وجهة نظره، فيما يراه المفاجأة فى حرب أكتوبر، هل كان توقيت الهجوم فى الثانية ظهراَ؟.

هل كان اختيار موعد الهجوم، وهو عيد الغفران فى إسرائيل؟ هل كان الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى وقت واحد؟ … هل … هل …؟؟ فجاءت إجابته أن المفاجأة الحقيقية، فى حرب أكتوبر، كانت الجندى المصرى فى عام 1973، الذى اختلف عن الجندى فى عام 1967، أو عام 1956! .

فالجندى المصرى عام 1973 كان من المؤهلات العليا (حاملى البكالوريوس) وروحه المعنوية عظيمة، وهو ما اعتبره أقوى من حساباتهم وتوقيتاتهم، ضارباً مثالا أثناء هجوم منطقة الدفرسوار، إذ كان هو يقود سرية دبابات مكونة من 10 دبابات إسرائيلية … فى اتجاه الإسماعيلية،

وفجأة ظهر أمامه خمسة من «الكوماندوز» مصريين (يقصد من قوات الصاعقة)، ومن الطبيعى أن الخمسة جنود، أمام عشر دبابات يعنى الموت المحقق لهم، إلا أن الكوماندوز الخمسة نجحوا فى تدمير خمس دبابات إسرائيلية!!! وبالطبع استشهد هؤلاء الأبطال الخمسة المصريين، وأصيب شارون فى هذه المعركة، وتم نقله لإسرائيل بعد ذلك. وأضاف شارون … «أن هذا الجندى الذى قابلته فى حرب 1973 … ليس الجندى المصرى … الذى قاتلته فى حربى1967 وفى 1956.

وعليه، فإن مفاجأة هذه الحرب هى … الجندى المصرى … وليس غيره». مضيفاً «أنه يجب على إسرائيل أن تضع فى اعتبارها فى أى حرب قادمة … نوعية هذا الجندى المصرى الجديد».

ومن هنا، بدأت معاهد الدراسات الاستراتيجية فى إضافة بند جديد عند حسابات القوى ومقارنتها، وهو حساب «النوعية القتالية» … ويقصد بها الفرد المقاتل، وكان ذلك بسبب ما حققه المقاتل المصرى فى حرب 1973 … والذى كان عاملاَ غائباَ عن كل الحسابات والتقديرات السابقة، التى قادت إلى نتائج خاطئة.

أما التأثير التاسع والأخير، فكان تغيير مفهوم «الدفاع المتحرك» Mobile Defense، فقد كان الأسلوب الدفاعى الذى تطبقه إسرائيل للدفاع عن خط قناة السويس، هو الأسلوب الأساسى فى الدفاع فى العقيدة الغربية، والذى يعتمد على وجود نقاط قوية على الخط الأمامى للدفاع، ثم تواجد احتياطيات قوية فى العمق، تواجه القوات المهاجمة فى مناطق احتواء، ومناطق قتل لتدميرها.

وجاء هجوم القوات المصرية على المواجهة بالكامل، واختراقها للدفاعات الإسرائيلية … فوجدت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية نفسها حائرة فى العمق، لا تستطيع توجيه أى ضربات، وتشتتت الاحتياطيات الاسرائيلية أمام المواجهة بالكامل، وخسرت معركتها. وبانتهاء الحرب، بدأت قيادات حلف الناتو تطبيق مبدأ «الدفاع النشط» Active Defense، وهو الشكل الجديد للنظم الدفاعية، فى قانون القتال الأمريكى والبريطانى.

أما فرنسا فلقد لجأت إلى تطوير الدفاع المتحرك بشكل جديد هو «الدفاع المتحرك العنكبوتى»، بما يثير الإعجاب والاحترام للقوات المسلحة المصرية … إذ جاءت كل هذه الأفكار الجديدة، فى تطوير قوانين القتال فى العقيدة الغربية، نتاجاً لخبرة قتال القوات المصرية فى حرب 1973.

وعموماً يجب أن نؤكد أن ما حققته القوات المصرية فى حرب أكتوبر لم يكن انتصارا على الجانب العسكرى الإسرائيلى فقط بل كان إضافة جديدة لكل مفاهيم القتال فى العلوم العسكرية فى العالم كله، وهذا سيكون فخراً دائماً للعسكرية المصرية والفكر العسكرى المصرى.

Email:f [email protected]

كاتب المقال

اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج

واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية

ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.

تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963

والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.

تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973

والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.

فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

 

تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.

 

تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.

لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.

وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم