حققت مصر نجاحاً عظيماً، بجهود الوساطة، في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتحقيق هدفه بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في قطاع غزة، في حرب غزة الرابعة، في شهر مايو من العام الماضي، إذ لعبت دور الوساطة بأسلوب متميز، حتى تم تنفيذ الاتفاق؛ تلك الجهود التي أثنى عليها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وتوجه بالشكر للإدارة المصرية على أثرها.
وفي الأسبوع الماضي، نزعت إسرائيل فتيل أزمة جديدة، باعتقالها بسام السعدي، القيادي بحركة الجهاد الإسلامي، بالضفة الغربية، وأتبعت ذلك، في عصر يوم الجمعة الماضي، بتصفية تيسير الجعبري، قائد سرايا القدس، في حركة الجهاد الإسلامي، بقطاع غزة. وفي أول رد فعل لحركة الجهاد الإسلامي، بإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، فانطلقت صفارات الإنذار، في تل أبيب، بعد وصول الصواريخ لمشارف المدينة، وقامت إسرائيل باعتقال 20 ناشطاً من الجهاد الإسلامي، بالضفة الغربية،. ووفقاً لبيان الجيش الإسرائيلي، في اليوم الأول، نفذت إسرائيل هجومها في 30 غارة، على أكثر من 40 هدف، داخل قطاع غزة، كما أفادت بأن القبة الحديدية قد اعترضت أكثر من 60 صاروخ، بينما سقط 30 صاروخاً داخل أراضي قطاع غزة.
وعلى الفور، بدأت مصر جهودها بالتواصل مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأطراف أخرى، بهدف احتواء التصعيد، والتهدئة، وانطلقت، في صباح اليوم التالي، سيارات الوقود، والمواد التموينية، إلى داخل غزة. وهو ما أعلنه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في لقاءه مع طلبة الكلية الحربية، مؤكداً على تكثيف الجهود المصرية، لتحقيق وقف إطلاق النيران، كما طلبت مصر إيقاف استهداف قادة المقاومة، وردت إسرائيل بأنها لن تُوقف أعمال القتال، إلا بعد تحقيق الأهداف من العملية، والتي قد تستمر لأكثر من أسبوع.
وهنا يتبادر تساؤل تحليلي، عن أسباب اختيار إسرائيل لهذا التوقيت، تحديداً، للتصعيد وبدء تلك العمليات، وهو ما أظنه لسببين رئيسيين، أولهما سياسي، وهو اقتراب توقيت الانتخابات الإسرائيلية، بعد ثلاثة أشهر، التي ينوي يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي المتولي منصبه منذ أيام، أن يخوضها، في ظل خوف الناخب الإسرائيلي من تهديد عناصر المقاومة الفلسطينية، والتي تحتاج، وفق رؤيته، لحكومة قوية، قادرة على تأمينه. وهو نفس النهج الذي كان يتبعه بنيامين نتنياهو، قبل دخوله لأي انتخابات، إذ كان يختلق نزاع عسكري، مع المقاومة الفلسطينية، لزيادة شعبيته.
أما ثاني أسباب اختيار ذلك التوقيت للتصعيد، فهو الهدف العسكري، ومنه أن إسرائيل فور جمعها لأي معلومات، جديدة، عن عناصر المقاومة الفلسطينية، كأماكن تواجد القادة، وأماكن التسليح، وورش التصنيع؛ خاصةً أن معظم الصواريخ، التي تصل للمقاومة الفلسطينية من إيران، تكون مفككة، ويتم تجميعها في ورش صغيرة في غزة، فتشن إسرائيل مثل هذه العمليات، للقضاء على القادة وأماكن التسليح والورش. وهو الدافع وراء تصفية تيسير الجعبري، وتنفيذ 30 غارة على أكثر من 40 هدف للمقاومة. والسبب العسكري الثاني، هو اختبار تطوير القبة الحديدية الإسرائيلية، للتصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، بعد أدائها، غير الناجح، في معركة غزة الرابعة، والذي على أثره قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم إسرائيل بمبلغ 3 مليار دولار لتطوير نظام القبة الحديدية.
ولعلنا نذكر عند وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى مطار بن جوريون، الشهر الماضي، أن قامت إسرائيل بتقديم عرضاً، نظرياً، عن جهود تطوير القبة الحديدية، أما اليوم، وبهذه الاشتباكات، فتعتبرها إسرائيل فرصة عملية، للاختبار العملي لذلك التطوير، الذي تم تنفيذه على مدار العام الماضي، حيث سيتم إحصاء عدد الصواريخ الفلسطينية، التي تم اعتراضها، أو تدميرها، مع احتساب مداها، وارتفاعاتها، وسرعة الإنذار، تمهيداً لإعداد تقريراً شاملاً لتقييم عملية التطوير، وتحديد مواضع الضعف لتلافيها عند استكمال تطوير نظام القبة الحديدية.
يضاف لما سبق سبب عسكري ثالث، وراء قيام إسرائيل بعملياتها، وهو قيام المقاومة، في غزة، بتطوير أنفاق غزة، وهي الخنادق التي أقامتها المقاومة، في غزو العام الماضي، لإخفاء الصواريخ عن نيران الطائرات الإسرائيلية، ونجحت إسرائيل، حينها، في تدمير جزء منها. ومع إعلان المقاومة تطويرها للأنفاق، مؤخراً، وفق ما أعلنته إسرائيل، فقد شنت إسرائيل هذه الحرب الجديدة، لاستكمال ما بدأته من تدمير في قطاع غزة. أما السبب الرابع، فهو هدف إسرائيل باستنزاف مخزون المعدات العسكرية الفلسطينية، وفي نفس الوقت، فرصة للتعرف على أي تطوير حدث في نظام الصواريخ الفلسطينية، على مدار الفترة السابقة، لتفادي المفاجأة بذلك في أوقات لاحقة.
وبنظرة مبسطة، نقول أن هذه الحرب الخامسة انتهت، ولم يكن فيها طرف منتصر، أو طرف مهزوم؛ فالطرف الإسرائيلي حقق أهدافه، بتعزيز الخوف لدى الناخب الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، كما حقق الاستفادة من تطوير القبة الحديدية، ودمر أعداد من مستودعات الجهاد، وقام بتصفية بعض الزعماء والقادة. بينما نجح الجانب الفلسطيني في بث الرعب في قلوب إسرائيل، التي لا يمكن أن تستهين بوصول صواريخ المقاومة لمشارف تل أبيب، ومطارها الدولي، وكان أصدق دليل على نجاح المقاومة الفلسطينية، تلك المقاطع المصورة التي التقطتها العدسات الإسرائيلية نفسها، لهروب الإسرائيليين إلى المخابئ، وقت إطلاق صفارات الإنذار في تل أبيب.
وهذا هو عهدنا بالقيادة المصرية الحكيمة، التي لا تألُ جهداً في تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
Email: [email protected]
كاتب المقال
اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج
واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.
ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.
تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963
والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.
تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973
والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.
فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.
تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.
تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.
لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.
وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم