رحل عنا منذ أيام قليلة، العظيم أحمد علي مرسي، أستاذ الأدب الشعبي والفلكلور بجامعة القاهرة، بعد عقود طويلة أمضاها في قراءة الأدب الشعبي، وتحليل مضامينه وتطوره التاريخي، فكان من أوائل الباحثين المصريين الذين اعتمدوا على الدراسات الميدانية في جمع المواد والنصوص، التي تتردد شفاهية في أركان مصر، فخرج إلى القرى والنجوع في ريف مصر وصعيدها، ليجمع التراث المصري الأصيل ويوثقه، فاستحق أن يكون شيخ التراث الشعبي المصري.
ولد مرسي في يناير 1944، في محافظة كفر الشيخ، وتخرج في كلية الآداب، بجامعة القاهرة، وحصل على درجتي الماجيستير والدكتوراة، مع مرتبة الشرف، في الأدب الشعبي. تدرج في السلك الأكاديمي، فترأس قسم اللغة العربية لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم عين عميداً لكلية الآداب بجامعة بني سويف، وعميداً للمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، ولاتساع علمه وعمق خبرته، عمل كأستاذ زائر في العديد من الجامعات الأجنبية والعربية، ونال العديد من الأوسمة المصرية والعربية والأجنبية، أهمها جائزة الدولة التقديرية من المجلس الأعلى للثقافة.
عرفت أحمد مرسي، رحمه الله، أثناء رئاستي لدار الأوبرا المصرية، التي كان يحرص على التواجد فيها، لسببين رئيسيين، أولهما توثيق “الموروثات الشعبية” أو “التراث الشعبي”، كما كان يحب أن يطلق عليها بدلاً من فلكلور، ثانياً لتقديم تلك الموروثات الشعبية على مسارح دار الأوبرا، باعتبارها المنصة الثقافية القومية لمصر، وقد وفقني الله لتحقيق حلمه، وحفظ العديد من الموروثات الشعبية، ومدوناتها، خاصة الموسيقية، في المكتبة الموسيقية لدار الأوبرا.
لقد ارتبط مرسى بذلك التراث الشعبي، من الحكايات الشعبية والمواويل، التي جمعها بنفسه، من خلال جولاته في ريف وصعيد مصر، التي حرص على تزامنها مع مواسم حصاد القمح، والمراسم الدينية، ولإخلاصه لها كان يمضي أياماً متواصلة داخل الاستديوهات، ليطمئن على تسجيل تلك الموروثات المصرية بصورة سليمة ودقيقة. وينسب له أنه استطاع عام 2018، أن يدرج ملف الدمى اليدوية (الأراجوز) والتحطيب والسيرة الهلالية على قائمة الحفظ العاجل للتراث المصري، غير المادي في منظمة اليونسكو.
لقد رحل أحمد مرسي تاركاً وراءه إرثاً عظيماً من المؤلفات والأبحاث في مجال التراث، وأرشيفاً كاملاً للمأثورات الشعبية يضم 160 ألف عنصر من التراث الشعبي، من غناء ومأثورات وحكايات، ذلك الرجل الذي لم ألتق في حياتي بمن أهتم مثله بالتراث الشعبي، سوى الخال الأبنودي، الذي جمع السيرة الهلالية … لقد فقدت مصر رجالاً عظماء، ولكن بصماتهم ستظل خالدة في تاريخها الثقافي.