يبدوا أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تدخل مرحلتها الرابعة الفترة القادمة وكانت المرحلة الأولي من الحرب قد بدأت يوم الرابع من والعشرين من فبراير هذا العام، عندما انطلقت القوات الروسية للهجوم علي أوكرانيا بعد قصفة صاروخية بالأسلحة الصاروخية الجديدة.
حيث تم تدمير قواتها الجوية وقواعدها العسكرية ومراكز القيادة والرادارات وعناصر الدفاع الجوي بعدها بدأت روسيا ف يالهجوم علي أوكرانيا من أربعة اتجاهات.. الأولي من اتجاه شبه جزيرة القرم في اتجاه خيرسون، والاتجاه الثاني من الجمهوريتان الانفصاليتان لوغانسيك ودونتيسك، والاتجاه الثالث من خاركيف شمالاً، والاتجاه الرابع الي العاصمة كييف، ولأن القتال في المدن هو أصعب أنواع القتال للجيوش النظامية لذلك بعد أن فقدت القوات الأوكرانية قواتها القتالية اتجهت لقتال القوات الروسية في المدن وهذا القتال يحقق للقوات الأوكرانية تحقيق أكبر خسائر للقوات الروسية المهاجمة ويحقق أيضاً تقدم بطئ للقوات الروسية وبالفعل نجح ذلك الاسلوب خصوصاً في اتجاه هجوم القوات الروسية الي العاصمة كييف.
وبالطبع تعثر تقدم القوات الروسية المهاجمة هناك، كذلك ظهر للمخطط الروسي أن استيلاء روسيا علي العاصمة كييف يعني سقوط النظام الأوكراني وسقوط الرئيس الأوكراني زيلينسكي وهو رئيس منتخب من الشعب الأوكراني وأن وجود رئيس آخر غير منتخب سوف يضع روسيا في موقف حرج اذا وقعت اتفاقية سلام مع الرئيس الغير منتخب.. من هنا بدأت القوات الروسية المرحلة الثانية من عملياتها الهجومية بتغيير اتجاه هجومها الرئيسي في اتجاه شرق أوكرانيا في اتجاه خيرسون وماريوبول ودونتيسك ولوغانسيك، وبالفعل نجحت القوات الروسية في الاستيلاء علي ماريوبول متتبعة سياسة الارض المحروقة وهو تدمير المدن الأوكرانية بالكامل باستخدام القوة النيرانية الهائلة للجيش الروسي وخاصة الصواريخ البلاسيتية التي قدمها الروس لأول مرة في هذه المعركة مثل صواريخ “كينجال” و “اسكندر ” و”كاليبر”، أما أمريكا وحلف الناتو قد قدموا صواريخ “ستينجر” المضادة للدبابات والطائرات وكلها ذات مدي قصير في حدود 3-6 كم، وكلها أسلحة دفاعية كان هدف أمريكا إطالة مدة الحرب لاستنزاف روسيا وعندما طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة صواريخ باليسيتية بعيدة المدي اعلن الرئيس الامريكي جو بايدن رفضه هذا الطلب واعتقد أن أمريكا بهذا القرار كانت ذكية للغاية لأنه معني وصول صواريخ بعيدة المدي لأوكرانيا وتهدد بها العمق الروسي سوف يدفع أعمال القتال في الفترة القادمة الي شكل آخر حيث سيكون الرد الروسي عنيفاً في حالة تهديد عمق بلاده كذلك بعد نجاحها في الاستيلاء علي ماريوبول وأصبح بحر آزوف تحت سيطرتها ومن هنا بدأت المرحلة الثالثة من الهجوم الروسي علي أوكرانيا لاستكمال الاستيلاء علي اقليم دونباس بالكامل.
وعلي المستوي الاقتصادي كانت نتائج هذه الحرب مؤثرة علي معظم الدول وخاصة دول العالم الثالث الفقيرة من حيث تجارة الحبوب وبالذات القمح الذي يصنع منه رغيف العيش لكل دول العالم ومعها الذرة والاعلاف والاسمدة التي منبعها كل من روسيا وأوكرانيا وبدأت الحملة الشرسة من أمريكا والدول الأوروبية ضد روسيا التي صورت للعالم كله أنه بهجومها العسكري علي أوكرانيا تسببت في هذه المشكلة الغذائية، وتوفير الغذاء للعالم والدول الفقيرة وظهرت المشكلة عندما اعلنت أوكرانيا أنها تمتلك 22 مليون طن من الحبوب، التي لا تستطيع تصديرها، نتيجة لظروف الحرب الجارية، بينما موسم حصاد المحصول الأوكراني الجديد قد بدأ وليس لديها صوامع للتخزين، وأصبحت أحد مشاكل أوكرانيا هو التخلص من كمية الغذاء المخزونة.
ووجدت روسيا نفسها مضطرة إلى تخفيف الحصار عن أوكرانيا، حتى لا تبدو أمام العالم بأنها المتسببة في زيادة معاناة الدول في أزمتها الغذائية، ومن هذا المنطلق، تم يوم الجمعة 22 يوليو، في إستانبول، عقد اتفاقية “الممر الآمن”، تحت رعاية الأمم المتحدة، وبوساطة تركية بين روسيا وأوكرانيا، والتي تمتد لمدة 120 يوم، قابلة للتجديد، وتتضمن الاتفاقية مروراً آمناً بين ميناء أوديسا، وميناءين أوكرانيين آخرين، على أن تُمنح أوكرانيا مدة عشرة أيام لتجهيز تلك الموانئ، لتبحر منها السفن المحملة بالحبوب الأوكرانية، في البحر الأسود إلى مضيق البوسفور في تركيا، لتنطلق للأسواق العالمية.
ونص الاتفاق على إنشاء مركزاً في إستانبول لمراقبة جميع تحركات السفن، والتفتيش عليها، لضمان عدم تهريب أي أسلحة أو معدات عسكرية، وذلك من خلال مفتشين عن أربع أطراف، مع تعهد كل من روسيا وأوكرانيا على عدم مهاجمة السفن التي تحمل الحبوب خلال رحلتها البحرية. وخلال مرحلة التفاوض على الاتفاقية، بذلت الأمم المتحدة جهداً كبيراً في إقناع شركات التأمين بعدم فرض رسوم عالية، تنعكس طردياً على أسعار الغلال والحبوب، وهو ما وضحت آثاره، فور توقيع الاتفاقية، بانخفاض أسعار الحبوب في بورصاتها العالمية.
وعلي الجانب الآخر بدأت روسيا من جانبها في حربها الاقتصادية في تخفيض دفع الغاز الروسي الي الدول الأوروبية حيث اعلنت في البداية تنفيذ أعمال الصيانة في الخط “نورد استريم 1” لمدة عشرة أيام ، وامتدت أعمال الصيانة لعدم وصول التوربين الذي يتم إصلاحه في أوروبا.
وحثت المفوضية الأوروبية الدول، على خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المائة، خلال الأشهر المقبلة تحسبا لحالة لجوء روسيا إلى منع الإمدادات عن أوروبا وخاصة مع دخول الشتاء.
وتقول المفوضية الأوروبية إن أسعار الكهرباء بالتجزئة للمنازل في عواصم دول الاتحاد الأوروبي سجلت ارتفاعا بنسبة 44 في المائة في مايو/أيار 2022، مقارنة بشهر مايو/أيار 2021، كما سجلت زيادة في دول مثل هولندا (بنسبة 167 في المائة) والنمسا (بنسبة 122 في المائة) وإيطاليا (بنسبة 118 في المائة).
وقال زيلينسكي “إن ابتزاز روسيا لأوروبا بالغاز”، يزداد سوءاً كل شهر.. وقال إن السلطات الروسية تتعمّد جعل الاستعداد لفصل الشتاء، صعباً في أوروبا، من دون أي اكتراث بالفقر الذي قد يعاني منه الناس في الأشهر الباردة نتيجة لذلك، كما اتهم الاتحاد الأوروبي، موسكو، باستخدام الطاقة كسلاح.. وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في وقت سابق إن احتمال قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز بالكامل عن الاتحاد الأوروبي “سيناريو محتمل”.
وهكذا بدأت روسيا من الآن تعديل أوضاعها علي جبهة القتال في شرق أوكرانيا حيث بدأت في تعزيز أوضاعها الدفاعية حتي الشتاء القادم وهذه المرحلة الجديدة من القتال هي المرحلة الرابعة حيث ستستكمل الاستيلاء علي اقليم دونباس وكافة مناطق الجمهوريتان المنفصلتان عن أوكرانيا وخلال هذا التوقيت ستعمل فيها علي إجبار دول أوروبا علي استمرار هذه الأوضاع في الشتاء القادم.
واطمأنت روسيا حالياً لأوضاعها الاقتصادية حيث أن الروبل الروسي حقق زيادة أكثر مما كان عليه قبل 24 فبراير الماضي حيث ثبت للجميع أن العقوبات الاقتصادية علي روسيا لم تحقق جدواها.
ومن هنا بدأت روسيا تستعد الي حرب طويلة في الفترة القادمة التي تطلق عليها المرحلة الرابعة من القتال وهي الضغط بالغاز علي أوروبا في الشتاء القادم.. والسؤال هنا ماذا ستفعل أوروبا من الآن لتكون جاهزة لحرب الشتاء القادم حيث أن روسيا تهدف من خلال الضغط علي أوروبا قبول أوكرانيا لشروطها وهي تحقيق خمس أهداف أولاً إعلان أوكرانيا أنها دولة حيادية، ثانياً تعلن عدم انضمامها الي حلف الناتو أو أي حلف عسكري آخر، وثالثاُ الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم الي روسيا، ورابعاً الاعتراف باستقلال الجمهوريتان لوغانسيك ودونتيسك وخامساً عدم تحولها الي دولة نووية.
وعلي الجانب الأوروبي تسعي كل دولة الي سرعة توفير الغاز في الفترة القادمة فهناك من تعاقدت مع دول بديلة مثل ايطاليا، والجزائر وهناك من يشتري محطات تسييل الغاز الطبيعي لشراء الغاز من دول الخليج المهم أن الجميع بدأ من الآن الاستعداد لشتاء بارد وقارص وهو أمر لم يكن في الحسبان عندما بدأت هذه الحرب.