مع احتفالنا السنوي بذكرى ثورة 30 يونيو، نتذكر، جميعاً، نجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي في تخليص مصر من حكم جماعة الإخوان المسلمين، في عام 2013، وهو ما يعد واحداً من أهم وأجرأ قرارات سيادته، التي سيخلدها التاريخ بأحرف من نور، كما سبقت وأعلنت، خلال حواري مع سيادته، على الهواء مباشرة، في العام الماضي، أثناء الاحتفال بذكرى نصر السادس من أكتوبر. وهو ما سبق وأن قلته للسيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون، ورئيسة المجموعة الاستشارية، أو Think Tank، للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي كان يعتمد على مثل تلك المجموعات الاستشارية، لمعاونته في اتخاذ القرارات الهامة.
وبعد انتخابه رئيساً للجمهورية في 2014، وبالتزامن مع الإعداد لزيارة السيد الرئيس السيسي، إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كنت أنا في زيارة للولايات المتحدة، وتحدد لي، خلالها، لقاء، في واشنطن العاصمة، مع السيدة أولبرايت، وأعضاء مجموعتها المكونة من 17 فرد، وبدأ الاجتماع بتقديم أعضاء المجموعة، المنتمون لمختلف المجالات؛ فمنهم الخبراء العسكريون، وخبراء الأمن القومي، والسياسيون، وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور لعلم النفس بينهم.
كنت قد أُبلغت قبل الاجتماع، بأن مدته 45 دقيقة، تبدأ بكلمة للسيدة أولبرايت، لمدة 15 دقيقة، يعقبها كلمتي لمدة 15 دقيقة أخرى، على أن تخصص الربع ساعة الأخيرة للنقاش مع باقي أعضاء المجموعة. فبدأت حديثها بتوضيح أن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بدراسة أهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية، في الفترة اللاحقة، تمهيداً لاتخاذ الولايات المتحدة عدداً من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث في البلقان، وتحديداً فيما يخص احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا، أما الثاني فكان سؤالاً مباشراً من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث في مصر تحديداً، “هل كان انقلاباً عسكرياً، قام به الرئيس السيسي لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟” مضيفة بأنه في حالة اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، سيكون له تبعات خطيرة على مصر طبقاً للدستور الأمريكي.
واستطردت بأنها بدأت بحثها في الأمر المصري، بالاطلاع على الورقة البحثية التي قدمها الرئيس السيسي، عندما كان طالباً في الولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديموقراطية في دول العالم الثالث، وهو ما يعني أنه مؤمناً، منذ بداية حياته العسكرية، بأهمية الديمقراطية لدول العالم الثالث، ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسي بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذي تأخر لأكثر من 40 عاماً، في مصر، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه “Reformer”، حسب وصفها، أي إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادماً على رأس انقلاب عسكري لفعل ما يفعله الانقلابين، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية لإرضائهم. والأهم من ذلك، أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، ولم يواجها بالرفض الشعبي، أو بالمظاهرات، مما أكد لها، وللمجموعة، أن ما حدث في مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقاً في تقريرها النهائي للرئيس أوباما.
عندما حان دوري، في الكلام، كنت على يقين بأن تلك المجموعة على علم، تام، بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفاداها أنه حتى في أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب، خلال فترة رئاسته الأولى، بقرارات شعبية، لتضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ خلالها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم. أما الرئيس السيسي فكان هدفه الإصلاح منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب في صالح البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها على المدى القصير إلا أن تأثيرها، على الاقتصاد المصري، عظيماً في المستقبل.
وانتهي اللقاء الرسمي، وتقدمنا نحو طاولة جانبية، رُصت عليها الحلوى الأمريكية الشهيرة، الدونتس، وفي خلال خمس دقائق، وبينما نتناول القهوة، تحدثت السيدة أولبرايت بحرية أكبر، بعيداً عن الرسميات، فبدأت حديثها بدعابة عن أن تلك الحلوى، من ذلك المتجر الخاص، هي أحب الأنواع إليها، والسبب الرئيسي في إفساد كل محاولات الحميات الغذائية التي تتبعها، ثم استطردت قائلة بأنها استعدت لاجتماعنا المشترك، بالقراءة عن تاريخي العملي، سواء في الحياة العسكرية أو المدنية، وعلمت أنني كنت أول محافظ للأقصر، متمنية أن تزور مصر يوماً، بغرض السياحة، لمشاهدة آثارها، التي درستها منذ الصغر، كمهد الحضارة، وفجر التاريخ، وأن تقوم برحلة نيلية، التي سمعت عنها من أصدقائها، كأجمل الرحلات.
واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبي، قائلة “إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربي، والإسلامي، فلديكم جميع مؤهلات القيادة، ولكن ينقصكم خطة واضحة للإصلاح الاقتصادي والسياسي”. والحقيقة أن تلك الدقائق الخمس، التي تلت مناقشة الموقف المصري، خلال الاجتماع الرسمي، جعلتني أشعر وكأنها كانت تقرأ الطالع، فعلى الفور بدأت مرحلة التنمية في مصر، على كافة الأصعدة، بالتركيز على ما فيه صالح المواطن، برفع كفاءة التعليم والرعاية الصحية، مع تطوير البنية الأساسية، مع الانتباه لأهمية رفع مستوى معيشة المواطن في الريف، من خلال مبادرة “حياة كريمة”، التي أشادت بها الأمم المتحدة ووصفتها بأنها أكبر مبادرة تنموية على مستوى العالم.
وبمرور الأيام تأكد لنا أننا نسير على الطريق الصحيح، وهو ما سيجني ثماره أولادنا وأحفادنا، بالفخر بمصر في مكانتها المستحقة.
Email: [email protected]