تناولت في مقال سابق، في أواخر شهر فبراير الماضي، قيام الولايات المتحدة بعمليات عسكرية للقضاء على زعماء تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، وآخرهم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي تم القضاء عليه خلال عملية مفاجئة في شمال غرب سوريا، بالقرب من الحدود التركية، ليخرج، بعدها، الرئيس الأمريكي جو بايدن، ليعلن بنفسه، على شاشات التليفزيون، تمام القضاء على زعيم داعش، بمعرفة القوات الأمريكية، فيما يعتبر العملية الأخيرة، من سلسلة العمليات الأمريكية ضد زعماء القاعدة وداعش.
كانت الحلقة الأولى، من تلك السلسة، قد بدأت يوم قررت الولايات المتحدة القضاء على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، أخطر منظمة إرهابية، في العصر الحديث، والتي كبدت الولايات المتحدة، ثاني أكبر خسائر في تاريخها، عندما نفذت تفجيرات الخُبر ودار السلام ونيروبي، والهجوم على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول، ثم نفذت، لاحقاً، الضربة القاضية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بواسطة 4 طائرات مدنية، تقودها 4 مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة، نجحت اثنتان منها في الاصطدام ببرجي مركز التجارة العالمي، في نيويورك، بينما استهدفت الثالثة مقر وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون. أما الطائرة الرابعة فتمكن ركابها من السيطرة عليها، وهبطت في أراضي بنسلفانيا، لينتج عن تلك الهجمات مقتل 2973 شخص، وفقدان 324 آخرين، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين.
بدأت قصة القضاء على بن لادن، يوم استدعاء الرئيس الأمريكي، أوباما، لرئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ليون باناتا، وتكليفه بالعثور على بن لادن، حياً أو ميتاً، فركز Panetta جهوده، منذ اليوم الأول، في متابعة خيوط العثور على بن لادن، واتجهت الآراء، إلى ضرورة البحث عن “السعاة” المكلفين بنقل المعلومات، والأوامر، والخطط الإرهابية، من أسامة بن لادن، إلى أعضاء تنظيم القاعدة. وتوصل فريق العمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، إلى سجين سابق بمعتقل جوانتانامو، يقال له “الكويتي”، وقادتهم معلوماتهم إلى أنه أحد المراسلين الهامين. وبدأت متابعة العديد من أرقام الهواتف، للوصول إلى رقم “الكويتي”، وهو ما استلزم متابعة أكثر من مليون رقم على مدار عامين. وأخيراً، وفي عام 2010، تم رصد مكالمة بين رجل في شمال غرب باكستان، مع آخر بمنطقة الخليج العربي.
وهنا بدأت متابعة هذا الرجل، الذي أطلق عليه “وحش قندهار” … وبمتابعته ورصد تحركاته، تبين تكرار زياراته إلى مدينة أبوت أباد الباكستانية، حيث يتجه إلى مبنى منعزل هناك، يتكون من ثلاثة طوابق، وتحيطه أسواراً عالية، وأعتُقد أنه هو مقر بن لادن، فاتصل Panetta، لأول مرة، بالرئيس أوباما، وأخبره أنهم يقتربون من بن لادن!
وبالمراقبة، تبين أنه مجمع سكني، يعيش فيه “الكويتي” وزوجته، وأخوه وزوجته، “وشخصية هامة”، أخرى. وباستمرار المراقبة، تبين أن “الشخصية الهامة”، لا تخرج على الإطلاق، وتقتصر تحركاتها على المشي، لأوقات محدودة، داخل فناء المجمع. وبقياسات الطول التي التقطتها الأقمار الصناعية لتلك الشخصية، تأكد الأمل، بنسبة كبيرة، من أنه، بن لادن. ويروي Panetta أن القوات المنوط بها تنفيذ العملية، كانت قد تدربت لمدة 30 يوماً متواصلة، دون معرفة الهدف، الذي هو أسامة بن لادن، أو “جيرونيمو”، وهو الاسم الكودي الذي أطلق عليه في هذه العملية.
تم تنفيذ العملية باستخدام 2 طائرة شينوك، تحمل على متنها 56 جندي أمريكي بالإضافة إلى طائرتي بلاك هوك، تحملان 24 فرداً، هم قوات الاقتحام، منهم فرد مترجم، وكلب يدعى “كايرو”. وبدأ اقتحام المبنى وفقاً للتدريبات السابقة … وكان “الكويتي وزوجته أول من قتلا في الطابق الأسفل، تلاه قتل أخوه وزوجته في الطابق الثاني، واندفعت القوات إلى الطابق الثالث، لتجد بن لادن، ليأكدوا للقيادة المركزية بأن “جيرونيمو موجود”، قبل أن يردوه قتيلاً برصاصة في الرأس، ووصلت جثة بن لادن إلى حاملة الطائرات الأميركية “كارل فنسون”، حيث تم إجراء تحليل الحامض النووي DNA، والذي تطابق مع أحد أقرباء بن لادن. ليخرج الرئيس أوباما، معلناً للشعب الأمريكي، خبر القضاء على بن لادن.
أما القضاء على أبو بكر البغدادي، أمير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، فيرجع لإعلان الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها 25 ملايين دولار، لمن يتقدم بمعلومات، تؤدي إلى تحديد مكانه. بعدما أعلن أبو بكر البغدادي، في 16 ديسمبر 2016، قيام الدولة الإسلامية، ونصب نفسه خليفة عليها. وفي يوم 29 أكتوبر 2019، شنت القوات الأمريكية غارة شمال غرب سوريا، أسفرت عن مقتل البغدادي. وبعدها أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخبر. وبعدها أعلن تنظيم الدولة تعيين أبو إبراهيم القرشي زعيماً، خلفاً للبغدادي، وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت، من قبل، مقتل أبو مصعب الزرقاوي، في بعقوبة، بالعراق، حينما قصفت منزله بطائرة مروحية أمريكية، وكان الزرقاوي هو الذي وضع نواة تنظيم داعش ليسير على نهجه بعد ذلك أبو بكر البغدادي.
وهكذا يظهر، تعاقب استهداف قادة داعش، بواسطة الجيش الأمريكي، بدءاً من أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، ثم الزرقاوي، وبعده البغدادي، وخلفهم أبو إبراهيم الهاشمي … ولا شك أن هذا المسلسل لن ينتهي، إذ ستبدأ الولايات المتحدة الأمريكية في البحث عن زعيم داعش الجديد، الذي سيتم استهدافه مستقبلاً.
كاتب المقال
اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج
واحداً من أهم أبناء القوات المسلحة المصرية.
ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، لأب وأم مصريين.
تخرج، سمير فرج، من الكلية الحربية عام 1963.
والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي.
تخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973.
والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وهي أكبر الكليات العسكرية في المملكة البريطانية،وواحدة من أكبر الكليات العسكرية على مستوى العالم.
فور تخرجه منها، عُين مدرساً بها، ليكون بذلك أول ضابط يُعين في هذا المنصب، من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.
تولى، اللواء أركان حرب الدكتور سمير سعيد محمود فرج، ، العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً بكلية القادة والأركان. كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية ورئاسة إدارة الشئون المعنوية.
تتلمذ على يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرساً في معهد المشاة، ومدرساً في كلية القادة والأركان المصرية.
لم تقتصر حياته العملية، على المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل، سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية، ومنها وكيل أول وزارة السياحة، ورئيس دار الأوبرا المصرية، ومحافظ الأقصر. ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة NatEnergy.
وله العديد من الكتب والمؤلفات العسكرية، خاصة فيما يخص أساليب القتال في العقيدة الغربية العسكرية. كما أن له عمود أسبوعي، يوم الخميس، في جريدة الأهرام المصرية ومقال أسبوعى يوم السبت فى جريدة أخباراليوم.