( لقد وقعنا فى الفخ ) تذكرنى هذه المقولة الطريفة عندما أصدرت الدولة قانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن التصالح فى بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها ووضعت له أمدا زمنيا محددا انتهى بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1631 لسنة 2019 باصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون فى يوليو2019 وبانتهائه فى 31 أكتوبر 2021 شعر الجميع بأنهم وقعوا فى الفخ ( الحكومة – المواطن المخالف – المواطن الغير مخالف ) .
اولا : الحكومة وقعت فى الفخ لأنها لم تستطع أن تنجز الهدف الذى من أجله أصدرت هذا القانون المنتهى للأسباب الآتية :
1 – افتقار لجنة الأحوزة العمرانية للعديد من الخبرات الفنية للانتهاء من دراسة خرائط التصوير الجوى لتحديد حدودالكتل السكنية المتاخمة للحيز العمرانى المعتمد للقرى وتوابعها والمدن واصدار قرار بشأنها وموافاة المحافظ به
2 – نقص اللجان الفنية المختصة المشكلة للبت فى طلبات التصالح وتقنين الأوضاع سواء من الناحية الإنشائية والمعمارية لدى الجهة الإدارية والتى يتم تشكيلها برئاسة مهندس استشارى متخصص فى الهندسة الإنشائية يختار بالتنسيق مع نقابة المهندسين وعضوية اثنان من المهندسين المعتمدين لدى الجهة الإدارية تخصص هندسة مدنية والآخر فى الهندسة المعمارية لا تقل خبرتهما عن خمس سنوات ويتم اختيارهما بالتنسيق مع نقابة المهندسين وعضوية ممثل عن وزارة الداخلية ترشحه ادارة الحماية المدنية المختصة ويكون لهذه اللجنة امانة فنية برئاسة مدير الإدارة الهندسية فى الجهة الإدارية ومدير التنظيم ومهندس المنطقة .
وقد تشكل لجنة واحدة أو أكثر لفحص الطلبات المقدمة للتصالح وتقنين الأوضاع وانشاء سجلات خاصة تقيد بها بيانات العقارات المقدم عنها طلبات التصالح وتقنين الأوضاع .
3 – بطء اجراءات الأمانة الفنية فى كل جهة من ناحية مراجعة الملفات المقدمة والمستندات المرفقة المستوفاه والغير مستوفاه وارسال خطابات مسجلة بعلم الوصول لأصحاب الطلبات المقدمة وعرض تقارير على اللجنة الفنية خلال مدة محددة باللائحة لا تتجاوز شهرا من تاريخ استيفاء المستندات او انتهاء المدة المحددة للاستيفاء .
4 – عدم قدرة اللجان الفنية بالمحافظات الإنتهاء من اجراء معاينات ميدانية للأعمال موضوع المخالفة على الطبيعة لمطابقة الأعمال المقدم عنها طلب التصالح للأعمال المنفذة على الطبيعة وكذا التحقق من السلامة الإنشائية ظاهريا ومدى مطابقته السلامة الإنشائية والتحقق من توفر اشتراطات حماية المنشآت القائمة من أخطار الحريق وبالتالى عدم القدرة فى البت لكثرة الطلبات المقدمة .
5 –ويجب على اللجنة الفنية اخطار مقدم الطلب بخطاب مسجل بعلم الوصول وفقا لنموذج 9 لسداد مقابل التصالح والتوقيع على الرسومات التى تم التصالح عليها فى حالة قبول التصالح او عدم قبوله ولا تقوم اللجنة الفنية بموافاة الجهة الإدارية بانهاء أعمالها الا بعد الانتهاء من فحص جميع الطلبات التى قدمت اليها خلال المدة التى حددها القانون وبالتالى يظل الموقف معلقا لهذه الأوضاع
6 – قلة عدد الطلبات المقدمة التى حصلت على نموذج (10) حيث نجدها قليلة قياسا باجمالى الطلبات المقدمة من خلال الإحصائيات (على سبيل المثال 430 طلب فقط من اجمالى 175 الف طلب بمحافظة الغربية ) بنسبة لا تتعدى 2, % وعند قبول التصالح تقوم الجهة الإدارية باعداد مشروع القرار اللازم بقبول التصالح وتقنين الأوضاع لإعتماده من المحافظ أو رئيس الهيئة المختص وفقا لنموذج (10) وذلك يدل على أن معظم الطلبات اما لم يتم فحصه أو تم رفضه .
7 – وقعت الحكومة فى الفخ عندما أعلنت لكل أصحاب العقارات المخالفة أنه من شروط التصالح وجود جراجات بالعقارات المخالفة الا انه تلاحظ تحويل هذه الجراجات الى محلات فى جميع المدن والأحياء بعد تقديم المخالفون لطلبات التصالح والحصول على نموذج (3) الذى لا يعتبر بمثابة قرار للتصالح .
8 – وقعت الحكومة فى الفخ بسبب العقارات التى قدمت طلبات تصالح ولم تحصل على نموذج 3 بسبب ثبوت عدم صلاحية الحالة الإنشائية وانتهز المخالفون هذه الفترة بتسكين الأبرياء من الشعب فى هذه العقارات ماذا تفعل الحكومة ؟
9 – وقعت كافة أجهزة الدولة الخدمية التابعة للأحياء التى بها الكثير من المخالفات البنائية فى الفخ عندما قامت بتوسيع شبكات البنية الأساسية وتوصيلها للعقارات المخالفة تحت سمع وبصر المسؤولين بها .
ثانيا : المواطن الملتزم وقع فى الفخ :
1 – المواطن المغلوب على أمره(الساكن ) تم تحميله قيمة الغرامة بسبب حاجته الى السكن فى العقارات المخالفة على مر العقود الماضية وحتى وقت قريب ايام ثورة يناير 2011 وتوابعها حتى تماسكت الدولة وصدر هذا القانون المؤقت المغلوب على أمره .
2 – المواطن الملتزم الذى يحترم القانون يجد نفسه مظلوما نتيجة تحويل الأرض الزراعية الى مبانى مخالفة تحيطه من كل جانب
3 – فى المناطق السكنية عندما يقوم صاحب فيلا او عمارة سكنية ثلاثة أو أربعة أدوار بهدمها واقامة أبراج سكنية بدون ترخيص بارتفاعات اكثر من 13 دور بجوار فيلا ويصبح المواطن الملتزم ( مالك فيلا ) سجينا بين أبراج خرسانية تتعدى ارتفاعاتها مرة ونصف أو مرتين عرض الشارع دون اية اعتبارات بيئية للتهوية ودخول أشعة الشمس والإعتداء على الخصوصية بالإضافة الى الضغط على عناصر البنية الأساسية من نقص فى المياه والكهرباء والطرق وطفح فى شبكة الصرف الصحى . هذا المشهد نراه كثيرا فى المناطق ذات الإرتفاعات المنخفضة سواء فى المدن والقرى مثل مصر الجديدة والمعادى ومدينة نصر والزيتون وعين شمس.
3 – وقع فى الفخ المواطن العادى الذى يسكن بجوار برج مخالف غير معلوم سلامته الإنشائية وأصبحت حياته معرضة للخطر لأى هزة أرضية أوانهيار جزئى أو كلى فى العقار المخالف خشية الوقوع عليه وعلى اسرته ويصبح عرضة للتشرد أو الموت .
4 – وقع فى الفخ المواطن العادى الذى قام بشراء شقة او مكتب او محل بالعقار المخالف وأصبح ايضا مهددا اما لخطورة العقار من حيث السلامة الإنشائية أو المخالفة فى الإرتفاعات أو الإستخدام بالإضافة الى تحمله ما يترتب من اقساط فى حالة الموافقة على التصالح وتكاليف ادخال مرافق البنية الأساسية .
يتبع الحلقة الثانية والأخيرة غداً الجمعة 8 إبريل 2022
كاتب المقال
المهندس عصام امام عبدالمجيد
رئيس ادارة مركزية للمعلومات بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
رئيس ادارة مركزية للبيئة بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
مدير عام متابعة تنفيذ المشروعات بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
ماجستير تخطيط مدن – هندسة الأزهر
ثالثا : المواطن المخالف وقع فى الفخ للأسباب الآتية :
1 – قام بتقديم طلب التصالح ثقة فى الحكومة وأملا فى توفيق أوضاعه سدد 25% من قيمة المخالفة وانتظر وقتا طويلا للحصول على قرار التصالح ولكنه وقع فى الفخ باقراره بتنفيذ عقارات مخالفة لقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الإسكان رقم 114 لسنة 2009 ( قانون البناء الموحد ) وأصبح مسجلا خطرا طريدا للعدالة بموجب المستندات المقدمة منه سواء حصل على نموذج 3 أم لم يحصل عليه .
2 – وقع المقاول المخالف فى الفخ عنما اشترى فيلات دورين وعمارات أقل من 4 أدوار وتكبد من خلالها خسائر فادحة بنية ازالتها وبناء أبراج مخالفة تتعدى 13 و15 دور ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب احكام قبضة الدولة على هذه الظاهرة .
دور الدولة فى التغلب على العشوائيات :
انى أرى أن الدولة مرت بأوقات عصيبة تجرأ فيها أصحاب غسيل الأموال وتجار المخدرات والآثار و تجار السلاح فى فترة ثورة يناير 2011 بتغيير نمط الحياة فى معظم أنحاء مصر المحروسة مستغلين حاجة المواطنين للسكن فى غيبة المراقبة من الحكومات المتعاقبة وفى ظل غياب أخلاقيات المهنة فى موظفى الأحياء الذين لم يتم محاكماتهم ومن ضعاف النفوس نتج عن ذلك بناء مناطق عشوائية وأصبحت الدولة تعانى من وجود آلاف العقارات المخالفة سواء على أرض الدولة أو أراضى خاصة بأصحابها على الرغم من المجهود الضخم الذى بذلته الدولة فى تخطيط وتنفيذ مدن جديدة فى كافة محافظات مصر للحد من الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية وتخفيف الكثافات السكانية مثل العاشر من رمضان والسادس من اكتوبر ومدينة السادات ومدن العبور وبدر والشروق والقاهرة الجديدة وأخيرا العاصمة الإدارية وفى شتى محافظات مصر منها سوهاج الجديدة والمنيا الجديدة وما تبذله الدولة فى الفترة الحالية فى التخلص من المناطق العشوائية ذات الخطورة الشديدة ونقلهم الى مناطق سكنية صحية جديدة تحملت فيه الدولة مبالغ طائلة من أجل توفير حياة كريمة للمواطنين الذين كانوا يعيشون فيها مثل الأسمرات وأهالينا والمحروسة وروضة السيدة.
مقترحات للخروج جميعا من الفخ :
1 – على الدولة أن تقوم باعداد قاعدة بيانات بكل محافظة مرتبطة بالأحياء التابعة لها لحصر أعداد الطلبات المقدمة للتصالح وعدد الطلبات التى حصلت على نموذج 3 والتى حصلت على نموذج 10 والتى تم رفضها او لم يتم فحصها حتى الآن للأسباب السابق ذكرها وكذلك العقارات المخالفة التى لم يتقدم أصحابها لتوفيق أوضاعها وتقييم خطورة الموقف حيث اتضح نقص هذه البيانات وعدم توفرها الا فى القليل من المحافظات .
2 – حصر امكانيات القوى البشرية الفنية والإدارية التى يمكن الإستعانة بها فى كافة أجهزة الدولة المدنية والعسكرية لتشكيل لجان لسرعة الفحص والمعاينة والبت فى طلبات التصالح المقدمة وانجاز المطلوب فى أسرع وقت ممكن وفقا لبرنامج زمنى محدد لكل محافظة .
3 – التركيز على أكثر الأحياء فى كل محافظة بها طلبات تصالح وانجاز المطلوب فى اقصر وقت ممكن لإنقاذ كل من وقع فى الفخ من العناصر الثلاثة السابق ذكرهم .
4 – يجب على الدولة دراسة تعويض المواطن الملتزم باصدار قانون يعطيه الحق فى الحصول على ترخيص لبناء عقار طبقا للإشتراطات التى سيتم الموافقة عليها لأصحاب المبانى المخالفة سواء داخل المدن أو المتخللات الزراعية طالما أن الحياة فى وسط هذه العقارات أصبحت صعبة فى ظل غياب البيئة الصحية المحيطة لأنه من الظلم أن تبقى فيلا دورين وسط أبراج شاهقة الإرتفاع ( بمعنى اذا تم التصالح على عقار مخالف ارتفاعه 13 دور ومطابق لشروط التصالح فيجب منح الفيلا المجاورة رخصة بنفس الإرتفاع ) وهكذا فى كافة بنود التصالح .
5 – يجب التأكيد على ضوابط التصالح سواء من حيث قيود الإرتفاعات لكل منطقة على حدة وتوحيد الكثافات السكانية لها واحترام الإرتدادات عن الجار مع عدم تغيير الإستخدام الا فى الظروف الإستثنائية مثل توفير خدمات أساسية مثل الخدمات الصحية والتعليمية مع احترام خط التنظيم بصفة نهائية وتوفير الجراجات كلما أمكن ذلك.
6 – يجب على الدولة علاج كافة الآثار المترتبة على تطبيق قانون التصالح ومنها حل مشكلة المتخللات الزراعية والمتخللات فى المناطق السكنية والبحث عن المواطن المخالف الفعلى مرتكب المخالفة وتحميله قيمة الغرامات التى قدرتها الجهات الإدارية بدلا من تحميلها المواطنين المغلوبين على أمرهم .
7 – تشديد الرقابة على كافة الجهات المحلية ذات العلاقة بهذا الموضوع لما لوحظ من استمرار مخالفات بناء مع تشجيع الدولة أصحاب العقارات المخالفة بالتقدم لتوفيق أوضاعها وتقديم كافة التسهيلات الممكنة لهم .
م/ عصام امام عبدالمجيد
رئيس ادارة مركزية للمعلومات بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
رئيس ادارة مركزية للبيئة بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
مدير عام متابعة تنفيذ المشروعات بالهيئة العامة للتنمية السياحية سابقا
ماجستير تخطيط مدن – هندسة الأزهر