هذا القسم تطلب الحكومة من كل وزير احترامه والالتزام الكامل به، وهو ما يتم واقعيا عدى وزير واحد لا تفرض عليه الحكومة الالتزام الحرفى بهذا القسم وهو وزير الدولة لشئون البيئة، فقسمه المطلوب واقعيا هو ( أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى وأن أحترم بعض مواد الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الحكومة رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن).
•••
فمن متابعة كل وزراء البيئة فى تاريخ مصر تأكد لى تماما أن أى وزير بيئة حاول أن يلتزم بالقسم الأصلى تم التخلص منه فورا. والتاريخ يسجل بفخر الجهود المخلصة والتى كادت تدمر صحة السيدة الدكتورة نادية مكرم عبيد والتى واجهت محافظين رفضوا معاونتها فى تحقيق مهامها حيال وقف ظاهرة السحابة السوداء. وكان جزاؤها الخروج من الوزارة لأنها التزمت بالقسم.
ثم الدكتور مصطفى حسين كامل والذى حاول أيضا مخلصا الالتزام بالقسم فحاول مواجهة كارثة الاعتداء الهائل والذى تم خلال الثلاث سنوات التالية لثورة يناير على أراضى محمية وادى الريان، والتى نتج عنها بناء مستعمرة كاملة محاطة بجدار طوله أربعة عشر كيلومترا لتشكل تحديا علنيا صارخا ضد سيادة الدولة وقرارات رئيس مجلس الوزراء لا مثيل لها فى محميات العالم أجمع. كما بدأ يتنقل بين المحافظات لمتابعة تطبيق قوانين البيئة فكان جزاؤه الخروج المبكر من الوزارة لأنه أخذ وظيفته مأخذ جد.
وأخيرا السيدة الدكتورة ليلى إسكندر والتى صعقت بمجرد تفكير الحكومة استيراد خام الفحم السام لصالح شركات الأسمنت رغم أن مصر كانت سباقة فى توقيع كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المناخ وبيئة الكرة الأرضية. فهبت تعترض وتجمع المعلومات العلمية والطبية من دول العالم والمنظمات الدولية المحترمة والموثوق فيها وأبحاث العلماء المرموقين والتى تؤكد كلها خطورة الفحم على حياة الإنسان والحيوان والنبات والماء العذب والمالح، كما جمعت التوابع السلبية والمميتة الفعلية والتى حدثت على أراضى دول استخدمت الفحم. وبالطبع أيدتها الجمعيات الأهلية والمهتمين بحماية البيئة المصرية وعدد ضخم من المواطنين المصريين والذين عانوا من ظاهرة السحابة السوداء وتوابعها السلبية سنين طويلة.
ولم يدر الجميع أن الحكومة مع عدم وجود مجلس شعب كانت قد اتخذت فعلا قرار استيراد الفحم وأصدرت الأوامر بالتنفيذ فشركات الاسمنت أهم. وأصبح الأمر واقعا فرض على الوزيرة والتى اعتقدت أن الحكومة تلزمها بالقسم ففرض عليها الصمت حتى لا يظهر للإعلام أن الحكومة منقسمة على بعضها فى ظل الظروف السيئة التى كانت تمر بها البلاد وبالطبع استعدت للخروج من الوزارة.
•••
واقعيا وزارة الدولة لشئون البيئة هى وزارة البيئة السياسية والتى تنفذ كل ما تطلبه الحكومة، ومعظمها ضد البيئة، فتصدر دراسات أثر بيئى والتى يفرضها القانون لتلبى كامل طلبات الحكومة وتجملها بشروط صارمة واجب الالتزام بها والجميع يعلم أنها شروط تتجاهلها تماما الحكومة، مما حول وزارة البيئة والجهاز التابع لها إلى واجهة وزارية لينة الأنياب مع الحكومة وشرسة مع القطاع الخاص.
وهنا أسرد ما يدعم إيمانى هذا، فلنتابع ما حدث للبيئة المصرية خلال الخمسة والثلاثين عاما الماضية. فمعظم سواحل البحر اختفت تحت القرى والمنتجعات ومساكن كلها معتدية على قانون حرم الشاطئ وهو الذى صدر منذ عهد الملك فؤاد. بل تم بناء محطات كهرباء عملاقة على سواحل البحر مباشرة وتم تدمير أكثر من ثلاثين فى المائة من الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر وشواطئ نيل مصر. قامت وزارات الدولة ببناء تسعين فى المائة من المبانى المخالفة للنوادى والمبانى الإدارية ذات الأسوار العالية على حرم الشاطئ لتحرم شعب مصر من الاستمتاع تماما بمشاهدة النيل العظيم.
تم تحوير قوانين البيئة والتى تفرض بوضوح أن كامل دخل محميات مصر الطبيعية تعود لذات المحميات للصرف على خدماتها الأساسية لضمان الحفاظ على كنوزها الجيولوجية والتنوع الحياتى النادر المنتشر بها، فتم تحويل هذا الدخل والذى يتعدى الملايين لأوجه لا علاقة لها بالبيئة مثل الصرف ببزخ على الحديقة الدولية بشرم الشيخ مع الإهمال الفاضح للمحميات والتى انهارت خدماتها تماما بل واستشهد عدد من كشافتها لانعدام الإمكانيات والتى تعينهم على أداء واجباتهم. وكل حين تصدر تصاريح صيد داخل المحميات لشخصيات عربية من وزارات لا حق لها نتيجتها مذابح بشعة لكائنات مصر المهددة بالانقراض والحال مستمر حتى اليوم.
قوانين الصيد بالبحار تناقض المنطق وتتجاهل المخالفات الجسيمة اليومية والتى ترتكبها مراكب الصيد الكبيرة بخليج السويس وأمام سواحل جنوب سيناء مما تسبب فى هجمات القروش الشاذة على السياح.. مصر خسرت أكثر من ثلث الأراضى الزراعية الخصبة بتجاهل البناء العشوائى لسنين طويلة على هذه النعمة.. سمح بتشييد ملاعب الجولف الخضراء الشاسعة لخدمة عدة آلاف من المصريين والأجانب وهى التى تستهلك كميات هائلة من المياه العذبة ومصر تقترب من كارثة الفقر المائى.
•••
كارثة التغيرات المناخية تقترب من مصر ونتائجها المؤكدة مسجلة علميا بمنظمة الأمم المتحدة، والمسئولين هنا يتجاهلونها تماما رغم أن توابعها على الدلتا كارثية. من الممكن تسجيل مئات الوقائع المؤكدة والتى تثبت أن البيئة رغم إدراجها فى الدستور فهى تقع فى آخر اهتمامات الحكومات المصرية مما يدفعنى اقتراح إلغاء وزارة الدولة لشئون البيئة والجهاز التابع لها.