بعد انتهائى من إلقاء محاضراتى فى النوادى الاجتماعية والكليات والجامعات كنت أصطدم بسؤال تكرر بشكل ملحوظ هل كل المواقع والتنوع الحياتى والنباتى والجيولوجى والذى ذكرته فى محاضراتى موجودة فعلا بمصر؟.
السؤال الذى أكد أن معظم الحاضرين لم يستمتعوا بزيارة مواقع الجذب السياحى الرائعة والمنتشرة فى أرجاء مصر. لهذا سوف أختار أقرب موقع للعاصمة يشكل جذبا سياحيا متكامل الأركان، وأقصد برسين (بيت التمساح) كما لقبها الفراعنة، وفى عهد القبط لقبت بفيوم، ثم بالعربية لقبت بالفيوم، كما لقبت بحديقة مصر وجنة الصحراء لخصوبة أرضها وهى أكبر واحات مصر.
كانت الفيوم حتى عام 1870 تتبع محافظة بنى سويف، ثم تم فصلها وتحويلها لمحافظة تبعد عن العاصمة مسافة تسعين كيلومترا جنوب غرب، وتبلغ مساحتها 6068 كيلومترا مربعا.
وهى مثل باقى واحات الصحراء الغربية تقع بمنخفض، فسطح بحيرة قارون 45 مترا تحت مستوى سطح البحر، ومساحة البحيرة 215 كيلومترا مربعا، وهى أكبر بحيرة مالحة بمصر تتميز بنقاء الجو والهدوء.
والفيوم ثرية بحفريات ما قبل التاريخ والآثار من العصر الفرعونى والرومانى والقبطى والإسلامى وبها تنوع بيئى حيوى غنى للغاية. وللأسباب التالية سجلت على أنها أحد المواقع المكتملة بعوامل الجذب السياحى؛ فعلى أرضها أول محمية تراث طبيعى عالمى بمصر، وأقصد محمية وادى الحيتان التى أدرجت ضمن قائمة التراث الطبيعى العالمى يوم 15 يوليو 2005 بمنظمة اليونيسكو، وهى التى اكتُشفت فيها الحلقة المفقودة بين السحلية الملك ذات الأرجل والتى كانت تسير على اليابس منذ ملايين السنين والحوت السابح فى مياه المحيطات اليوم، وهو الاكتشاف الذى يعتبره علماء الحفريات كحجر رشيد فى علوم المصريات. وحتى اليوم الاكتشافات اليومية المذهلة مستمرة.
كما تضم محمية شمال بحيرة قارون التى يقع بها جبل قطرانى، والذى يضم أكبر المقابر الجيولوجية بالقارة الأفريقية لاحتوائها على رواسب وحفريات بحرية ونهرية وقارية يرجع تاريخها إلى أربعين مليون سنة، منها هياكل أسلاف الأفيال وفرس النهر والدرافيل والقروش والقرود والطيور وأضخم غابة متحجرة بمصر.
وقد اُستخرج، على سبيل المثال، من المقابر هيكلان لخرتيت الفيوم الضخم ذى القرن المتفرع لاثنين، واحد معروض باهتمام بالغ فى متحف التاريخ الطبيعى بلندن والثانى كان معروضا بمتحف التاريخ الطبيعى المصرى، والذى تم بناؤه عام 1902 بميدان التحرير قبل هدمه لصالح مترو الأنفاق ولم يتم بناء متحف بديل حتى اليوم. والآن يعرض رأس هذه الحفرية النادرة فى صندوق زجاجى بأكشاك ما يسمى بالمتحف الجيولوجى الواقع على الكورنيش المؤدى للمعادى.
تقع أيضا داخل النطاق المائى للمحمية جزيرة القرن الذهبى الدائرية ومساحتها كيلومتر ونصف مربع، وهى أهم مأوى لطيور النورس على مستوى العالم، كما أنها موقع مفضل لراحة وتزاوج الطيور المهاجرة لأنها محمية بالمياه حولها ولا وجود لحيوانات برية عليها. وفيها تم اكتشاف أول حفرية لحوت عمره خمسة وأربعون مليون سنة وحفريات لحيوانات فقرية وهى التى كان بها استراحة مبنية بالخشب خاصة بالملك فاروق.
بالفيوم اكتُشفت مدينة تعود للعصر الحجرى منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد بمنطقة كوم أوشيم. وظهر بالفيوم فن البورتريه لأول مرة فى التاريخ والذى كان يرسم على المومياوات ليوضح شكل صاحبها بشكل مدهش.
كما تم بها تشييد أول طريق ممهد صلب فى التاريخ منذ 4500 سنة، وبناء أول قناطر وسد للتحكم فى سريان مياه النيل للبحيرة، وبها ثلاثون موقع آثار ومعابد وأهرامات ومسلات موزعة على خمسة مراكز، كما يوجد بها طواحين، وتضم محمية وادى الريان والتى بها بحيرتان وشلالات وتنوع حياتى ثرى جدا.
وفى سابقة لم تحدث على مستوى محميات دول العالم أضيرت للأسف هذه المحمية ضررا بالغا وبتحدٍ علنى لقوانين وسيادة الدولة، وذلك ببناء مستعمرة كاملة وسط المحمية محاطة بجدار عازل ارتفاعه متران وطوله أربعة عشرة كيلومترا ضم داخلها عيون المياه التى كانت تعتمد عليها كائنات المحمية من الغزال الأبيض المصرى وثعلب الفنك والثعلب الأحمر والقط البرى و 16 نوعا من الزواحف وأكثر من 200 نوع من الطيور، والاعتداء قائم حتى اليوم للأسف رغم محاولات ثلاثة وزراء بيئة لوقفه وكم هائل من الوعود تم نقضها فى اليوم التالى ورغم مئات المحاضر.
بهذه المحافظة تنشط سياحة مراقبة الطيور والسياحة الفطرية والريفية؛ فبها قرية النزلة والتى تشتهر بصناعة الخزف والفخار بالأساليب المصرية القديمة، وقرية تونس المشهورة بالحرف اليدوية الفطرية الفنية الجميلة، وفيها تنظم رحلات صيد السمك ومراقبة الطيور والصيد المقنن لها ومزاولة رياضة الانزلاق على الماء بالشراع ورياضة الانزلاق على رمال الكثبان الرملية والتنزه وسط الحقول على ظهور الجمال، كما ينتشر بها تنوع من الفنادق الجميلة الصغيرة الملقبة بالبوتيك تقدم الوجبات المحلية المصرية. وبسبب جمال ونقاء مناخ هذه الواحة تلاحظ انتقال عائلات مصرية وأجنبية للإقامة الدائمة بها. وهذه إحدى جواهر صحرائنا الغربية.