أخبارسياحة وسفرشئون مصريةمنوعات

مقال قديم جديد ..”محمود عبد المنعم القيسونى” يكتب عن : أفول شمس السياحة بمصر

في يوم 28 فبراير، 2022 | بتوقيت 2:00 مساءً

أقسم بالله أننى لم أتخيل قط أن أسجل مشمول المقالة التالية، لكن الواقع الحادث للسياحة أصبح محبطا ولا يبشر بالخير إذا استمر هذا الحال.

الله يعلم أننى خدمت هذا الوطن الحبيب بإخلاص وتفانٍ، وأننى أتمنى الخير كل الخير لمصر أم الدنيا لكن شغلى لعدة مواقع قريبة من قيادات السياحة كشف لى حقائق صادمة، فطوال الثلاثين سنة الماضية كل الأحداث والقرارات المفاجئة والضربات العشوائية الموجعة بل الاضطهاد والتفنن في تخليق قيود فلكية تتضاعف عاما بعد عام لا وجود لمثلها في العالم أجمع .

تقوم بها حكومات مصر المتعاقبة ووزاراتها وجزرها المنعزلة عن بعضها ومحافظاتها ومحلياتها بكل حماس وتفانٍ تفرض فرضا على صناعة السياحة المصرية، وأتحدى من يثبت العكس، فبينما نتابع الدعم والتشجيع والتقدير والتيسير من قيادات دول العالم لصناعة السياحة ببلادهم ما كان له عائد هائل على الدخل القومى والخير كل الخير لشعوبهم.

ونتابع اجتماع الحكومات لوضع منظومة مختصرة وميسرة تضمن راحة واستمتاع السياح ضيوفهم بكل دقيقة يقضونها على أراضيهم، ما يحقق منظومة السياحة المستدامة وتطلع السياح لتكرار زياراتهم مرات ومرات وتوابع ذلك على اقتصاد هذه الدول.

العكس تماما يحدث بمصر التي وهبها الله عز وجل كامل مقومات السياحة من كنوز تاريخية وطبيعية مجتمعة على أرضها لا تملك أي دولة على الكرة الأرضية مثلها. فنجد كل وزارة وكل هيئة وكل جهاز وكل محافظة وكل حى بشكل منعزل تماما عن جسد الحكومة توجه ركلات وركلات لصناعة الأمل فتصدر قرارات وقيودا تتضاعف عاما بعد عام دون سند قانونى ودون منطق ودون تنسيق.

بل فيها ما تناقض القرارات الجمهورية وتناقض أساسيات وتخصصات هذه الجهات التي هي معروفة ومعلومة في جميع دول العالم منذ فجر التاريخ، فأتابع سعى شباب مخلص ملتزم وطنى حيال استخراج تصاريح أو موافقات لتفعيل برامج سياحية بعد نجاحهم في التعاقد على جلب أفواج سياحية لزيارة معالم ومواقع الجذب المدرجة ضمن حملات الدعاية السياحية الحكومية الباهظة.

فيتوجهون للوزارة أو للجهة المختصة، والتى من سلطاتها هي فقط منح الموافقات أو التصاريح ليتم ركلهم وإجبارهم على التوجه لوزارة أو لجهة أخرى لا علاقة لها قط بالشروط المدرجة والمحددة للتصريح، ما يكون له توابع بالغة السلبية (مثلا شخص يطلب موافقة وزارة الثقافة على تشييد مسرح وسط العاصمة، فتشترط عليه وزارة الثقافة الحصول على موافقة وزارة الرى رغم عدم التخصص التام حيال المطلوب).

وهذا ما يحدث اليوم للنشاطات السياحية بالطبع النتيجة تكون فشلا مؤكدا لكل هذه الجهود المخلصة وتوابع ذلك على مصادر رزق مئات من الشباب والشركات الملتزمة.

وهنا أسجل لأول مرة سبب استقالتى نهاية عام 2014 من شرف مستشار متطوع لوزير السياحة بعد سبع سنوات من جهود مستميتة في خدمة السياحة المصرية وتحقيق عدة إنجازات مشرفة، فقد أخطرت السيد وزير السياحة في ذلك الوقت أن القيود والتعقيدات المتزايدة على نشاطات السياحة البيئية أصبحت خانقة وطاردة مؤكدة لهذه السياحة والتى حققت البلايين للدخل القومى وشرفت مصر على الساحة الدولية.

وسردت لسيادته تفاصيل القيود، والتى بلغت مستوى صادما وغير منطقى وطاردا وأنه لو استمر هذا الحال فستتوقف تماما شركات ممتازة وتصفى أعمالها وتقطع أرزاق العاملين بها رغم تفانيهم وإخلاصهم في تخصصاتهم.

فطلب السيد الوزير لأول مرة حضور اجتماع بالوزارة المعنية يشارك فيه خبراء السياحة البيئية وتم سرد كامل المعوقات وتوابعها السلبية المؤكدة، وخرجنا صباح اليوم التالى برفض كامل من الاجتماع، جميعنا مقتنعون أننا حققنا إنجازا لصالح السياحة وأن القيود ستخفف لنفاجأ صباح اليوم التالى برفض كامل مطالبنا بل وزيادة القيود وهو ما دفعنى فورا لتقديم استقالتى لعدم جدوى أي جهد في مواجهة هذه الجهات.

ومرت ثلاث سنوات مؤلمة ومحزنة بكل معانى الكلمة فما توقعته حدث فتوقفت عدة شركات ممتازة والبعض نقل نشاطه للدول العربية الشقيقة، حيث كل الترحاب والتسهيلات وانعدام القيود والتعقيدات ليحققوا نجاحا فوريا على أرض غير أرض الوطن. السياحة أصبحت اللقمة السائغة والسهلة والتى لا حول لها ولا قوة في مواجهة كل هذه القوى فنجد قرارات بفرض رسوم صادمة غير دستورية بالدولار وبالجنيه.

رغم تحذير السيد رئيس الجمهورية أثناء افتتاح مطار الأقصر الدولى عام 2005 ، من فرض رسوم على السياحة دون زيادة رسوم تأشيرة دخول مصر، الرجوع لمجلس الشعب ودون دراسة وافية، وما حدث منذ أيام من إعلان وزارة الخارجية المفاجىء زيادة رسوم تأشيرة دخول مصر من 25 دولارا إلى 60 دولارا، وتوابع ذلك الإعلان البالغة السلبية على كل الجهود المستميتة لجذب السياحة الدولية لمصر دون الرجوع للمجلس الأعلى للسياحة برئاسة رئيس الجمهورية ودون استشارة الوزارات المعنية وعلى رأسها السياحة .

ونجد قيودا جهنمية تتزايد على مفاصل النشاطات السياحية بالكامل فمثلا لتحرك رحلة سياحة صحراوية لأربعة أجانب مطلوب تجميع أكثر من سبع وعشرين موافقة من جهات عديدة منتشرة في أنحاء العاصمة مع تسديد رسوم يستغرق تجميعها حوالى خمسة وعشرين يوما مجهدة ومحبطة وأحيانا مهينة لشركات السياحة .

مع فرض حراسة لصيقة مدججة السلاح عدد أفرادها ثلاثة أضعاف عدد السياح وتوابع ذلك على متعة السياحة في الخلاء مع تسديد المقابل المادى الباهظ جدا والنتيجة بعد كل هذا إما السماح بتفعيل عشرة في المائة من البرنامج السياحى المطلوب، لأن اثنين وتسعين في المائة من أرض مصر غير مصرح بدخولها للمصريين والأجانب ما يناقض القرارات الجمهورية الأخيرة.

وإما يتم رفض الطلب مع حظر الرجوع على الجهة الرافضة بأى توابع قانونية أو تعويضية، وتوابع ذلك على شركات السياحة. كما تفرض على قطاع السياحة بصفة عامة تسديد رسوم وضرائب لثمانى وعشرين جهة في الحكومة ما يشكل معاناة مؤلمة للجميع.

السياح عند وصولهم لمطار القاهرة يكتشفون أن التأشيرة التي طبعت بجوازات سفرهم من السفارات المصرية هي تأشيرة حدودها الخروج من مطار القاهرة فقط وأنهم يحتاجون إلى العديد من التصريحات والموافقات مع تقديم صور جوازات سفرهم لتفعيل برامجهم السياحية حتى مغادرتهم أرض مصر..

مع إدراج الأمثلة البسيطة المذكورة أعلاه يهمنى تسجيل محاولات وطنية مخلصة من شخصيات سياحية حاولت إقناع جهات الدولة العديدة اختصار القيود وتسهيل الإجراءات المفروضة بشكل شاذ على السياحة المصرية وتخفيف الرسوم المتعددة والمبالغ فيها وتوحيد الجهة لتنتهى كل الاجتماعات بالرفض التام بل بمضاعفة الإجراءات والرسوم من كل جزيرة منعزلة (أقصد وزارة وجهاز وهيئة ومحافظة) والحال مستمر وكل حين وآخر أتلقى مكالمات هاتفية متزايدة محزنة وصادمة من زملاء يسردون لى معاناتهم وخسائرهم وإحباطاتهم.

نحن مرغمون نمر بحالة ركود سياحى واضح فلماذا لا ننتهز هذه الحالة لنعيد ترتيب البيت لنجتمع جميعا بوطنية ونسرد الكم الهائل من المعوقات مع تحديد الجهات المتسببة فيها ونحاول العلاج الحضارى لمواكبة القرن الواحد والعشرين..

كنا نتطلع بشغف وحماس لتفعيل المجلس الأعلى للسياحة بعد تجميد دام أكثر من ثلاثين سنة لعرض كل هذه المعوقات الخانقة والمتزايدة لعلمنا أنه ولأول مرة يجتمع المجلس برئاسة السيد رئيس الجمهورية لكن ما عرض ونوقش في الاجتماع مثل قشور مما تعانى منه صناعة السياحة ليبقى الحال كما هو..

وأخيرا يجب توجيه سؤال منطقى.. هل الحكومة على علم بأهمية وثقل صناعة السياحة على الدخل القومى؟.. وهل سنقف جميعا نشاهد أفول صناعة السياحة المصرية مصدر الخير لمصر؟..

لا حول ولا قوة إلا بالله.

كاتب المقال

محمود عبد المنعم القيسونى

الخبير الدولى فى شئون السياحة والبيئة

أول رئيس لجنة للسياحة البيئية بالاتحاد المصرى للغرف السياحية

أول رئيس لجنة للسياحة البيئية بالمجالس القومية المتخصصة، التابعة لرئاسة الجمهورية.

ممثل مصر فى كل المؤتمرات الدولية تحت علم الأمم المتحدة ومنظمة السياحة العالمية الخاصة بهذا النشاط الجديد.

 عضو منتخب باللجنة الدولية لأخلاقيات السياحة، التابعة لمنظمة السياحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة لمدة خمس سنوات

ومستشار متطوع لوزير السياحة ووزيرة البيئة لشؤون السياحة البيئية سبع سنوات

المقال نقلاً عن المصرى اليوم وتم نشره يوم الجمعة 17-03-2017