دخل قطاع المياه في مصر تحديات كبيرة، ناتجة عن الزيادة السكانية، والمتغيرات المناخية، من جهة، فضلاً عن مشكلة سد النهضة، من جهة أخرى، فتحتم بذلك إيجاد حلول لمشكلة المياه، في ظل ثبات حصتنا من مياه النيل، رغم كل تلك المستجدات، خاصةً وأن الأمم المتحدة قدرت خط الفقر المائي بألف متر مكعب سنوياً للفرد، بينما تؤكد وزارة الري المصرية أن نصيب الفرد، في مصر، لا يتجاوز 560 متر مكعب سنوياً، وهو ما يعني دخول مصر مرحلة الشح المائي، وفقاً لآراء الخبراء … الأمر الذي تطلب تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة للتصدي لتلك المشكلة.
وانتهاجاً للأساليب العلمية، وضعت الدولة المصرية خطة استراتيجية لتطوير الموارد المائية، حتى عام 2050، مرتكزة على خمس محاور؛ الأول، ترشيد نظام استهلاك المياه الحالي، وثانياً وضع آليات وتشريعات لتنظيم استخدام المياه في السنوات القادمة، ثالثاً معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي واستغلالها لأغراض الزراعة النقية، ورابعاً تنظيم استغلال المياه الجوفية، أما المحور الخامس من الخطة الاستراتيجية فيعتمد على تحلية مياه البحر، استفادة من موقع مصر الجغرافي المطل على البحرين الأحمر والمتوسط، وكل ذلك بهدف زيادة القدرة المائية لمصر.
وهنا برز دور الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بقدرتها على الإسهام في عدد من محاور تلك الخطة، أهمها التوسع في تنفيذ محطات تحلية مياه البحر، وإقامة محطات معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي. ففي مجال تحلية مياه البحر، قامت الهيئة الهندسية بتنفيذ 34 محطة تحلية مياه البحر، موزعة بواقع أربع محطات في مطروح، ومحطة ببورسعيد، وأخرى بالإسماعيلية، وثلاث محطات في السويس، وأربع محطات في البحر الأحمر، ومثلهم في جنوب سيناء، وثلاث محطات في شمال سيناء.
تقدر التكلفة المالية لتنفيذ تلك المحطات بنحو 23 مليار جنية، لتوفر إجمالي 457 مليون متر مكعب سنوياً من المياه النقية، فعلى سبيل المثال تغطي محطات شمال وجنوب سيناء مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وطابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ والطور وأبو زنيمة ورأس سدر، وهو ما يعني تغطية شبه كاملة لمعظم مدن شبه جزيرة سيناء، بعدما كانت تعتمد، بالأساس، على المياه الجوفية أو خطوط مياه الممتدة من نهر النيل، وهو ما لم يعد كافياً في ظل الزيادة السكانية من ناحية، أو فيما يخص خطة التنمية الخاصة بسيناء وباقي المحافظات المصرية.
أما فيما يخص جهود القوات المسلحة، في مجال معالجة المياه، فقد نفذت الهيئة الهندسية عدد 36 محطة معالجة مياه، بإجمالي تكلفة مالية 38 مليار جنية، بواقع محطة واحدة في كل من رفح والإسكندرية وبورسعيد والبحيرة وأسوان وجنوب سيناء، وأربع محطات بشرق بورسعيد، ومحطتان في الإسماعيلية الجديدة، و7 محطات في القاهرة، و11 محطة في السويس، ومحطتان في البحر الأحمر و4 محطات في الواحات.
وجدير بالاحتفاء أن محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، قد فازت بجائزة أفضل مشروع في العالم، في مسابقة التحكيم الدولية لأفضل الأعمال الإنشائية لعام 2021، التي أجرتها مجلة Engineering News Record الأمريكية، كما حصلت على ثلاث شهادات من موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر محطة للمعالجة على مستوى أفريقيا. تكلفت تلك المحطة 100 مليون جنية مصري، وقام بتنفيذها شركتان مصريتان، هما المقاولون العرب، وأوراسكوم، تحت إشراف الهيئة الهندسية، ويبلغ إنتاجها من المياه النقية نحو 5,6 مليون متر مكعب سنوياً، تضخ كلها في سيناء. كان الهدف من إنشاء تلك المحطة، تحويل مسار مصرف بحر البقر، بدلاً من الصب في بحيرة المنزلة، لإيقاف تلوثها، وإنقاذ الثروة السمكية بها، والتي يغذي إنتاجها ثلاث محافظات، هم بورسعيد ودمياط والدقهلية. ساهمت هذه المحطة في استصلاح 500 ألف فدان، بصفة عامة، 230 ألف فدان منهم في سيناء وجنوب القنطرة ورابعة وبئر العبد.
أما بحيرة قارون، التي تعتبر من أهم المحميات الطبيعية، فقد تلاحظ زيادة ملوحة المياه بها، نتيجة لزيادة كميات الصرف الزراعي التي تصب فيها، وأمام ضرورة الحفاظ على التوازن البيئي لمياه البحيرة، حماية للثروة السمكية بها، كان تدخل القوات المسلحة، بإقامة مجمع صناعي لاستخلاص الأملاح الذائبة من البحيرة، لإنتاج 350 ألف طن من الأملاح سنوياً، لتعود مياه البحيرة نقية، ولتعود بحيرة قارون لسابق مجدها في إنتاج أجود أنواع الأسماك في مصر. يضم المجمع الصناعي الجديد، أكبر مصنع كبريتات الصوديوم في مصر، الذي يعد أحد أهم مدخلات الإنتاج في صناعات المنظفات الجافة، الزجاج، ولب الورق، وصباغة النسيج، وبعد استيفاء الاحتياجات الداخلية للصناعة في مصر، يقوم المصنع بتصدير ما يقرب من نصف إنتاجه للخارج.
يشمل المجمع الصناعي، مصنعاً لإنتاج كبريتات الماغنيسيوم المائية، وملح الفاكيوم، الذي كان يتم استيراده من الخارج، لتوفير الاحتياجات المصرية لصناعة الأسمدة، والصناعات الدوائية، والكيماوية. كما يضم المجمع مصنعاً لإنتاج ملح الطعام، الذي هو أساس صناعة الصودا الكاوية، اللازمة لصناعة الصابون، وتكرير الزيوت، والغزل والنسيج، كما يدخل في صناعة الكلور. جدير بالذكر أن الإنتاج العالمي من ملح كولوريد الصوديوم يقترب من 280 مليون طن سنوياً، تساهم مصر فيهم بنحو 3,4 مليون طن سنوياً.
ومرة أخرى، تؤكد القوات المسلحة المصرية، على قدراتها في التصدي لكافة المعارك التي تخوضها مصر، يدٍ بيد مع أبنائها المخلصين، في كافة القطاعات المدنية بالدولة.
Email: [email protected]