أخبارشئون مصريةمنوعات

” الدكتور عوض عباس رجب “يكتب لـ ” المحروسة نيوز ” عن : من دروس الحياة (الفضل لاينسي بين أهله) .. أنا والتحليلية!!

في يوم 3 فبراير، 2022 | بتوقيت 8:00 مساءً

أعشق تدريس مقرر الكيمياء التحليلية منذ كنت طالبا بالفرقة الأولي بالكلية  1972دفعتي دخلت الكلية سبتمبر و كان من حظي الطيب السعيد أن بدأ أستاذ الأجيال المرحوم  الأستاذ الدكتور عبد المنعم محمد نجيب النقادي ، أستاذ الكيمياء التحليلية في التدريس لطلبة الفرقة الأولي مقرر الكيمياء العامة لأول مرة بالمشاركة مع مؤسس قسم الكيمياء الحيوية   الأستاذ الدكتور  حسن محمد سالم.

فتتلمذت علي يديه و عشقت الكيمياء التحليلية حتى أصبحت تجري في دمائي مثل الهيموجلوبين والأكسجين الذي أتنفسه وأصبحت أبحث عن تنميه مهاراتي في فهم واستيعاب ألغاز وقوانين الكيمياء التحليلية حتى برعت فيها و تمكنت منها وأنا طالب بالصف الأول و أصبحت طالبا مشهورا بتفوقي في هذا الفرع من فروع مقررات قسم الكيمياء الحيوية و حصلت علي تقدير (ممتاز(

وكان الأمر العجيب أن طلبة الفرقة الثانية (تخصص أنجاة علوم الأغذية) يدرسون مقرر الكيمياء التحليلية مع الأستاذ الدكتور عبد المنعم نجيب ،في الفصل الدراسي الثاني .

ومن هنا تقابلت مع صديق العمر و زميلي بقسم الكيمياء الحيوية (الأستاذ الدكتور محمد مجدي راشد) الذي كان يسبقني بدفعه فهو ألتحق بالكلية عام 1971.

كنت أجلس مع زميلي في الفصل الدراسي الثاني لي بالكلية ((أنا بالفرقة الأولي و هو بالفرقة الثانية)) كنت قد درست الكيمياء التحليلية في الفصل الأول من خلال مقرر ((الكيمياء العامة)) و كان زميلي لم يدرس هذا الموضوع بالفرقة الأولي له فكنا نتناقش في حل المسائل و التمارين العملية الخاصة بالتحليلية وكانت هذه اللحظات هي أجمل لحظات لي مع محبو بتي الكيمياء التحليلية .

في عام 1976 تخرجت و حصلت علي بكالوريوس الكيمياء الحيوية بتقدير عام ((ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي)) و صدر قرار مجلس جامعه القاهرة بتعييني معيدا في قسم الكيمياء الحيوية.

في أكتوبر 1976 انضممت إلي القوات المسلحة لأداء الخدمة العسكرية كواجب وطني لكل المصريين الذين انتهوا من دراستهم الجامعية و هذه الخدمة تستمر حوالي عام او أكثر قليلا للحاصلين علي الشهادات الجامعية .

قضيت فترة التجنيد حتى يناير 1978 وعدت لأستلم عملي معيد في قسم الكيمياء الحيوية بكلية الزراعة جامعة القاهرة.

أحببت منذ الوهلة الأولي المشاركة في تدريس مقرري الكيمياء التحليلية العملية لطلبة الفرقة الثالثة ((اتجاه علوم الأغذية)) و كذلك مقرر الكيمياء العضوية العملية لطلبة الفرقة الأولي.

تتلمذت علي يد أساتذتي و زملائي القدامى بالقسم و تعلمت أسرار تحضيرات الحصص العملية

في عام 1983 وكنت مدرسا مساعدا بالقسم((لم أكن قد حصلت علي درجه الدكتوراه وقتئذ)) تحدث معي أستاذي و مثلي الأعلى المرحوم  أد/عبدا لمنعم نجيب و طلب مني أن أستعد لمشاركته في تدريس الأجزاء النظرية لمقرر الكيمياء التحليلية بالمشاركة مع أستاذ الأجيال و رئيس قسم الكيمياء الحيوية و وقتئذ المرحوم أد/يوسف غالي اسكندر وذلك لأصابه حنجرته و طلب الطبيب منه عدم التدريس و قال لي أنه اختارني لثقته المطلقة في قدراتي و تمكني من أساسيات الكيمياء التحليلية .

رقص قلبي طربا بثقة أستاذي و مثلي الأعلى وكان من الصدف السعيدة أن خطيبتي (زوجتي ) واحدة من طالبات هذه الدفعة فكان يجب علي الاهتمام أكثر و أبلغت أستاذي بالحرج من كون خطيبتي هي واحدة من طالبات هذه الدفعة فلم يجد سيادته أي مانع أو حرج في قيامي بالتدريس لأنه هو من سيقوم بالأشراف علي درجات الجزء العملي و النظري و بالتالي لايوجد مانع من قيامي بالتدريس .

انتهيت من تدريس 6 محاضرات في مقرر الكيمياء التحليلية بإشراف أستاذي القدير ثم طلب مني عمل محاضرة مراجعه مع شرح نموذج الإجابة لعدد 30سؤال قام سيادته بوضعها تغطي جميع أجزاء ماتم شرحه .

بعد انتهاء امتحانات الجزء العملي طلب مني كشف بأسماء الطلاب و الدرجات الحاصلين عليها

قدمت له الكشف و فجأة سألني عن أسم خطيبتي ثلاثيا و أطلع علي الدرجة الخاصة بها وكانت قد حصلت علي درجة 22 من 30 و وجد العديد من الطلاب حصلوا علي درجات أعلي من خطيبتي فضحك و ابتسم قائلا كيف حدث ذلك و أنت القائم علي التدريس؟؟ فقلت له ثقة سيادتكم بي علمتني أن كل ذي حق يحصل علي حقه بالتمام و الكمال فشكرني شكرا عميقا و أحسست بسعادته و أن ثقته في كانت في محلها و الحمد لله.

كان هذا الدرس من أهم الدروس التي أثرت في حياتي الأكاديمية أن أثق في فريق العمل الذي أعمل معه و أتوكل علي الله مع الحذر و الحيطة لضمان أتمام العمل علي الوجه الأكمل.

المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالمنعم نجيب أستاذ الأجيال في الكيمياء التحليلية يقف وسط زملائه و تلاميذه
المرحوم أد/عبدالمنعم نجيب معلم الأجيال في الكيمياء التحليلية يجلس في منتصف الصورة متكأ علي عصاة و أجلس أنا علي يمينه و بجواري مشرفي علي رسالة الماجيستير مؤسس قسم الكيمياء الحيوية أد/حسن محمد سالم أطال الله عمرة

الحمد لله نقلت هذه التجربة الثرية لتلاميذي بعد حصولي علي الدكتوراه و أصبحت أستاذا في قسم الكيمياء الحيوية و الحمد لله نجحت التجربة و أصبحوا أساتذة يشار إليهم بالبنان مثل أد/محمد قبيصي..و أد /هاني الشيمي((عميد الكليه الأسبق و المستشار الثقافي لمصر في اليابان حاليا)) و أد/عمرو مصطفي ((عميد الكليه السابق)) و أد /سيد عبدالقادر ((مدير الجودة بكليه الزراعة حاليا

في عام 2004 قمت بتدريس مقرر الكيمياء التحليلية و كنت وقتئذ عميدا لكلية السياحة و الفنادق جامعه القاهرة فرع الفيوم

كانت هناك طالبة متميزة جدا في المقرر حتى أن زملائها أطلقوا عليها لقب الدكتورة و كنت أحبها لتفوقها و ذكائها حبا جما و لقد حصلت علي الدرجة النهائية في الجزء العملي من المقرر.

و أتذكر في هذا العام أن وضعت امتحانا رائعا في مقرر الكيمياء التحليلية و بعد نهاية الطلاب من الامتحان فجئت بهم جميعا يطالبونني بإلغاء السؤال الأول و توزيع درجاته علي باقي الأسئلة فتعجبت بشدة لان هذا السؤال هو أسهل سؤال في الامتحان؟؟؟

جاءت الأجابه المفاجئة لي من الطلاب حيث علمت أن الطالبة المتميزة و التي حصلت علي الدرجة الكاملة في الجزء العملي لم تجاوب هذا السؤال لوصولها متأخرة بعد نصف ساعة من بداية الامتحان لوفاة والدتها صباح يوم الامتحان.

كان موقفا رائعا يبرز مدي حب الطلاب لبعضهم البعض و مدي حرصهم علي التخفيف من الآلام علي زميلتهم التي فقدت أمها صباح يوم الامتحان ليضمنوا لها الحصول علي تقدير ((ممتاز)) في مقرر الكيمياء التحليلية.

موقف أنساني عظيم أحسست معه أنني قد نجحت في توصيل المعاني الإنسانية في علاقات الطلاب يبعضهم البعض حتى في وجود المنافسة علي الحصول علي التقديرات العالية و النجاح بتميز.

الحمد لله حصلت الطالبة علي تقدير ((ممتاز)) لحصولها علي الدرجات النهائية في الأجزاء العملية بجانب إجاباتها في امتحان النظري إجابة فاقت بها زملائها علي الرغم من مشاعر الحزن لوفاة

والدتها الحبيبة .

أعلنت الكلية نتائج الامتحانات و كانت نتيجة مقرر الكيمياء التحليلية من أفضل النتائج للمنافسة الشريفة الرائعة بين الطلاب

حضرت الطالبة المتميزة لمكتبي بعد إعلان النتائج و كان معها ظرف قدمته لي فسألتها ما هذا ؟؟فقالت لي افتح الظرف و اقرأ الكارت الموجود .

فتحت الظرف و كان كارتا يحمل الآية الكريمة::

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

نفس الكارت الذي تعودت إهدائه لأساتذتي و أصدقائي الذين أكن لهم حبا حقيقيا جما حب في الله.

و قرأت الكلمات المسطرة علي الوجه الآخر للكارت و كانت مكتوبة بقلم أخضر اللون ((كما تعودت أنا كتابة الكروت)) …فتعجبت بشدة حينما قرأت الكلمات هي نفسها العبارات الراقصة التي تعودت أنا علي كتابتها حينما كنت أهدي هذا الكارت لمن أهديه له.

نظرت إليها بتعجب قبل قراءة باقي الكلمات في الكارت ؟؟؟ماهذا ؟؟من أين أتيت بهذا الكارت؟؟

ابتسمت الطالبة و قالت لي هذا الكارت خاص بـخالها اللواء /أحمد ابوطالب

فقلت لها :: من هو اللواء /أحمد أبوطالب؟؟

قالت :ألا تتذكره لقد كان هو قائد الوحدة العسكرية فترة التجنيد الخاصة بك و كان ملازما أول وقتئذ و كان هو الذي يساعدك و كان صديقا قريبا جدا لقلبك فترة التجنيد و عندما انتهت فترة تجنيدك قدمت له هذا الكارت تعبيرا عن شكرك و امتنانك لما قدمه لك من مساعدات خلال فترة التجنيد .

الله أكبر …الله أكبر

قالت::كنت أتحث مع خالي اللواء/أحمد ابوطالب عن فرحتي وسعادتي بحصولي علي ((ممتاز)) في مقرر الكيمياء التحليلية ذلك اليوم الذي توفت فيه و والدتي الحبيبة و حكيت له عن موقف زملائي الطلاب و حديثهم مع حضرتك ثم الفضل و الشكر لحضرتك لحصولي علي تقدير ((ممتاز)) علي الرغم من عدم إجابتي علي السؤال الأول لوصولي متأخرة للامتحان بسبب وفاة والدتي.

فسألني خالي عن أسم أستاذ مقرر الكيمياء التحليلية …فقلت له أد/ عوض و لم أكمل باقي الاسم فوجئت أن خالي قال لي أد/عوض عباس رجب؟؟

تعجبت أنه يعرف أسمك كاملا مع أنني لم أتحدث عنك من قبل مع خالي؟؟؟

قال لي خالي:: أبنتي الحبيبة ((الفضل عندما يروح لأهله …..يكون فضلا)).

أنا قدمت للدكتور فضلا باهتمامي به خلال فترة تجنيده و كنت أساعده دون سابق معرفة بإعطائه و تميزه في الأجازات حثي يستطيع الذهاب لكليته و التواجد في قسم الكيمياء خلال فترة تجنيده

و أستاذك أد عوض عباس رجب قدم لي هذا الكارت و سطر فيه كلمات و عبارات الحب و الاحترام و التقدير لما قدمته له و أختار هذه الآية الكريمة الجميلة ليعبر لي عن خالص امتنانه

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم )

وبعد 25عاما تقريبا و بدون أن يعرفك و لا يعرف صلة القرابة بيني و بينك ابنتي الغالية

جاء أد/عوض عباس رجب ليرد الجميل و يقف بجوارك و يسعدك و يدخل البهجة علي قلبك

أبنتي الحبيبة الغالية يقول تعالي في كتابة الحكيم

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)

هذا درس عظيم في العلاقات الإنسانية السامية ….الحب في الله طريق السعادة

الخير ينتصر دائما في كل الأحوال.

كاتب المقال 

الدكتور عوض عباس رجب

أستاذ الكيمياء الحيويه المتفرغ كليه الزراعة جامعة القاهرة

عميد كليه السياحة و الفنادق – جامعة القاهرة (فرع الفيوم)الأسبق

مستشار وزير التعليم العالي للجامعات الخاصة الأسبق

مدير مركز جامعه القاهرة للتعليم المفتوح الأسبق

مقرر  لجنه معاهد السياحة و الآثار- قطاع التعليم- وزارة التعليم العالي

[email protected]

[email protected]

[email protected]